Uncategorizedدراساتصحيفة البعث

وجهة نظر أنانية

عناية ناصر

تُظهر الكلمات التي ألقاها كلّ من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وعضو مجلس الدولة الصيني ووزير الدفاع وي فنغي، خلال حوار شانغريلا التاسع عشر الذي جرى في سنغافورة حول الاستراتيجية الدفاعية لكل دولة، النهجين المختلفين تماماً للقوتين العظميين في العالم في التعامل مع قضايا الأمن الإقليمي والنظام العالمي.

الاعتبار الأساسي لواشنطن كان في مفهوم الأمن القومي أو الدولي اعتماداً على القاعدة الذهبية لـ”أمريكا أولاً”. بعبارة أخرى، تتعلق المصلحة الجوهرية لأمريكا في كيفية الحفاظ على هيمنتها العالمية. وفي المقابل، لا تكمن المصالح الجوهرية للصين في حماية سيادتها وأمنها وتنميتها فحسب، بل أيضاً في الحفاظ على السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ولذلك تعمل الصين على تشكيل الأمن الدولي من خلال فكرة بناء مجتمع مشترك للبشرية عبر مفاهيمها الأمنية الوطنية والعالمية.

وبينما تجسّد وجهات نظر الصين العدالة الدولية، تركز الولايات المتحدة على مصالحها الخاصة فقط، والتي تتجاوز، في نظر واشنطن، مصالح جميع البلدان الأخرى، بما في ذلك الصين وروسيا وحتى حلفاؤها وشركاؤها. باختصار، إن كيفية تفسير الولايات المتحدة لمفاهيم الأمن والنظام هي أنانية ومهيمنة وغير مقبولة كلياً.

أكد أوستن في خطابه على كلمة واحدة هي “الشراكات”، وما تعنيه “قوة الشراكة” في العمل، وكيف نمت شراكاتهم بشكل أقوى، وحول كيفية التحرك معاً نحو رؤية مشتركة للمنطقة. إن ملاحظات أوستن خادعة للغاية، لأنها تحزم وبشكل متقن ما تعتقد الولايات المتحدة أنه في مصلحة جميع الدول الإقليمية باعتباره “رؤية مشتركة”.

كما تعتقد واشنطن أن بكين وموسكو تشكلان تهديدات لهيمنتها في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، على التوالي، لذلك تأمل الولايات المتحدة بقمع الصين وروسيا من خلال توحيد حلفائها وشركائها. لكن بالنسبة لتلك البلدان، فإن خدمة مصالح الهيمنة الأمريكية لا تعني السلام والأمن، بل إنها في الواقع تقوّض مصالحهم بطرق مختلفة.

تستمر الولايات المتحدة في حملتها بالترويج وبشكل مستمر أن الصين قوة “قسرية وعدوانية” في المنطقة، وعلى أنها تشكل تهديداً مباشراً وحقيقياً لجميع الحلفاء والشركاء. ومع ذلك، عندما تقوم الولايات المتحدة بتحديد الصين كهدف للهجمات، فإنها تنسج كذبة تلو الأخرى لتبرر نيّة حماية هيمنتها العالمية. وحالما يتمّ كشف هذه الأكاذيب، ستتخلّى الولايات المتحدة عمن تعتبرهم “أصدقاءها” عاجلاً أم آجلاً.

تفقد الولايات المتحدة تدريجياً قدرتها على وضع القواعد في العديد من المجالات، بما في ذلك المتعلقة بالأمن الإقليمي والنظام الدولي والاقتصاد والتجارة، وقد حدث هذا الاتجاه ليس فقط في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولكن أيضاً في جميع أنحاء العالم. فمن ناحية، تفقد الولايات المتحدة مصداقيتها نتيجة ما فعلته بالدول الأخرى، ومن ناحية أخرى، يتضاءل النفوذ الاقتصادي للبلاد ببطء، حيث تنتهي هيمنة الدولار بسبب الاستخدام المفرط للعقوبات، لينتهي بها المطاف بفقدان موقعها المهيمن.

لقد كانت الحرب الأوكرانية الروسية حاضرة في حوار شانغريلا، حيث كانت هناك أصوات تخشى أن يمتد الصراع إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلا أن ذلك الأمر مستبعد حدوثه، لأن تاريخ وواقع أوروبا وآسيا مختلفان تماماً، وهناك  العديد من دول آسيا والمحيط الهادئ تنظر إلى الصين على أنها صديقة وشريك اقتصادي موثوق، لذلك بالنسبة لها، فإن معاملة الصين كعدو أمر مستحيل، ناهيك عن المشاركة في تحالف مناهض للصين.