مجلة البعث الأسبوعية

الأمل بين فلسفتين

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

الأمل هذه الكلمة البسيطة التي تتسع لمساحات كبيرة من النفس الإنسانية، تمد الإنسان بطاقة كبيرة على مواجهة تعقيدات الحياة وتجاوزها للوصول على الهدف المنشود والغاية الأسمى، لكن هناك من توسع في إدراك هذه الكلمة ووضع لها فلسفة تشرح أبعادها وانعكاساتها الايجابية على الحياة بشكل عام، وكان هناك وجهات نظر متعددة حول مفهوم الأمل وفلسفته، فهناك من فلسفها من منطلق روحي وآخرون نظروا إليها بمنظار وضعي محض، وحول وحول وجهات النظر هذه وتبايناتها قرأت منذ فترة دراسة مترجمة بعنوان “فلسفة الأمل بين جلال الدين الرومي وجان بول سارتر، قارنت بداية بين فلسفة الرجلين رغم الفاصل الزمني بينهما لحوالي800 عام، فالرومي يعد واحداً من أعمدة الفلسفة الروحية عاش في القرن السابع الهجري وهو من أشد العصور قلقاً وظلاماً في تاريخ الإنسانية.

أما سارتر فهو فيلسوف فرنسا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ارتبطت باسمه الفلسفة الوجودية، استمات في الدفاع عن الحرية واشترك في مقاومة سلطة الكنيسة وعقلية القطيع التي كانت الكنيسة تقود بها الناس وفق منطق مثيولوجي يفتقر إلى منطق الديناميكية التي يرى فيها السوسيولوجيون أساس التغيير الصاعد اجتماعياً.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماوجه المقارنة بين جلال الرومي وسارتر والرجلان على طرفي نقيض، فسارتر رجل سياسة والرومي بعيد كل البعد عن السياسة، لنرى أن ما يمكن المقارنة من خلاله هو فلسفة الأمل التي كان الرومي ينطلق في فلسفته من الإيمان وسارتر ينطلق في فلسفته من الريبة والشك فجاءت فلسفته تشاؤمية ترى أن الأصيل في الإنسان الشر، وان الناس كله مجرمون، ومسرحيته الشيطان والرحمن” تتحدث عن نظرته هذه.

أما الرومي فقد أقام على المثنوي أعمالاً كثيرة نظمه بالفارسية فكان يسمى “قرآن العجم” وهو يتضمن رؤى فلسفية فيزيقية تتحدث عن مشاهد الموت كما تحدث عنها سارتر لكنها تنهض بالموقف إلى فلسفة الأمل والإشراق.

إن الذكريات التي حملها الرومي في ذهنه عن الموت كانت تمحى عندما ينبثق في داخله الأمل الذي يبعثه اعتقاده برسالة الإنسان على هذه الأرض، فلا يمكن التصرف بالأرض بطريقة متساوية عندما يكون فيها المؤمنون والملحدون، كما كان يرى في كل كمال حكمة، وفي كل نقص حكمة، وفي الفناء والعدم والهرم حكمة يمكننا أن نتعلم منها، فنظرة الرومي للمستقبل الذي نعيشه الآن تتجلى منذ 800 عام عندما يتحدث عن الحياة ويعلمنا كيف يمكننا أن نوقد شمعة من أن نلعن العتمة، وهاهو يقول:

إذا صغت أشواك الطريق وروداً ولؤم العدو ابتساماً ودوداً

وصارت شموع الفؤاد وقوداً تحاشاك بؤس الزمان بعيداً

فمت إن كنت تتمنى الخلودا تنال بمجد الفناء الخلودا

إنه ينقلنا بمجدافه الذي يضرب في البر والبحر والسماء ليحمل لنا من كل أقحوانة وجه حكمة، ومن كل بريق يلمع في السماء وجه نور، يحملنا إلى أن إدراك الحياة لا ينبغي أن يتحطم عند حدود البؤس الإنساني مهما كان الزمان صعباً وقاسياً:

أيها الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترى الوجود جميلا

وتختم الدراسة بأن فلسفة الرومي تفهم الحياة بصيغة مختلفة، فهو يرى الحياة في ظلال الإيمان، وهو بهذا يختلف في فلسفته عن سارتر الذي أقر في فلسفته حضارة وجودية تلتمس الحقائق في سلوكياتها ومفاهيمها.

ونحن في معترك هذه الحرب العبثية لأكثر من عشر سنوات أي أمل ينقذنا من تردي الحال الذي وصلنا إليه من جشع النفوس في زمن ناسه شكلتهم الحياة من صلصال استهلاكها، يفتقدون للتصالح مع أنفسهم وقيمهم التي يوظفونها بما يخدم مصالحهم وغاياتهم، ضاربين عرض الحائط كل شيء.