مجلة البعث الأسبوعية

من ساحة الباستيل.. ندوة بعنوان “من أجل السلام في سورية”

البعث الأسبوعية- هيفاء علي

نظمت “المنظمة الدولية لدعم سيادة الشعوب” برئاسة الدكتور عدنان عزام، ندوة بعنوان “من أجل السلام في سورية- أوقفوا الحصار اللا إنساني المفروض على الشعب السوري”، وذلك يوم 10 حزيران 2022، في ساحة الباستيل بالعاصمة الفرنسية باريس. حضر الندوة لفيف من المواطنين والصحفيين والمحللين الفرنسيين والفرانكونيين، الذين شاركوا منذ فترة طويلة في الجمعيات الإنسانية والثقافية في جميع أنحاء العالم، والذين قاموا بزيارة سورية عدة مرات منذ عام 2011، حيث كانت آخر زيارة لهم في شهر كانون الأول 2021، حيث عقدوا ندوة في مكتبة الأسد الوطنية بعنوان ” الحرب على سورية بعيون فرنسية”.

“نتلمس عاماً بعد عام التدهور الكبير في الظروف المعيشية للشعب السوري، والمعاناة غير المقبولة التي تلحق بالسكان المدنيين من انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي، وغياب الإنارة العامة، ونقص الغاز والبنزين والديزل، وانعدام التدفئة، ونقص الغذاء والمواد الخام، والأدوية والمستلزمات الأساسية. هذا هو القمع المستمر الذي يعاني منه الشعب السوري بسبب العقوبات التي تفرضها فرنسا والغرب عموماً”.

بهذه المقدمة، تحدث المصور الفرنسي” كلود جانفيير”، مضيفاً أن المتحدثين جميعهم أكدوا على عدم جدوى العقوبات الاقتصادية التي تثقل كاهل الشعب السوري منذ 2011، ويقدمون دليلاً على أن ما يسمى “قيصر”، الذي كان بمثابة شيك على بياض للتحالف الدولي لفرض العقوبات، هو تقرير كاذب. تقرير صاغته ومولته دولة محاربة ضد سورية، وبدعم من منظمة “هيومن رايتس ووتش” وهي منظمة غير حكومية صنعها ومولها جورج سوروس المعروف بنشاطه المزعزع للاستقرار تجاه عدد لا يحصى من الدول ذات السيادة.

لم تخلو الندوة من عناصر الشغب، فقد اقتحمت مجموعة صغيرة من الأفراد مكان انعقاد الندوة لمنع تقديم الكلمات والعروض التقديمية، وأمام استحالة التفاهم معهم اضطر المحاضرون والمشاركين للتدخل وبمساعدة الجمهور لصدهم، وفي النهاية طردهم بهدوء، ومن ثم تم استئناف الندوة. والسؤال هو من  هو وراء محاولة الرقابة؟. من يريد أن يخنق الأدلة على أن هذه الحرب تخدم مصالح التحالف الدولي؟. من هو ضد ارساء السلام في سورية، ومن لا يريد للشعب السوري أن يعيش بكرامة؟.

من الطبيعي أن يكون أحد أهم أسباب هذا التطرف هو التدخل العسكري للولايات المتحدة وحلفائها، الذي تضاعف في أنحاء العالم، مصحوباً إلى حد كبير بتقارير كاذبة ودعاية فاضحة تهدف إلى صدم الرأي العام، مثل المقابر الجماعية في “تيميشوارا”، والأسلحة الكيماوية غير الموجودة في العراق وسورية، والجنود الليبيين الذين تعرضوا للاغتصاب بالمخدرات.

وهنا طالب كلود جانفيير رسمياً بإنهاء فوري للحصار الذي يتسبب في تجويع الشعب السوري، مشدداً على ضرورة أن تتوقف معاناة الرضع والأطفال على الفور، وداعياً إلى الرفع الفوري لقانون “قيصر” الذي ليس له غرض سوى خنق الشعب السوري مالياً، مؤكداً أن الضغوط لن تمنعهم من الاستمرار بلا كلل في التنديد بهذا الحظر اللا إنساني، وطالب بلاده فرنسا، وطن حقوق الإنسان، إظهار رسالتها وتأكيد قيمها الإنسانية من خلال اتخاذ إجراءات جدية لإلغاء قانون “قيصر”

عودة سورية الكبرى

أما الباحثة الفرنسية، ماريا بومبير، المختصة بتاريخ ثقافة الشعوب، وثقافة القدماء، فكان لها مداخلة طويلة، مشيرةً الى أن سورية قد دخلت بالفعل في عملية توسع ونفوذ على عدة مستويات لإعادة اكتشاف مكونات ما كان يسمى “سوريا الكبرى”. منوهة أن ما قلب قوى الجاذبية هو انتصار سورية على الولايات المتحدة وتحالف الناتو منذ عام 2016، حتى لو كان أعداؤها لا يريدون الاعتراف بها، وأصبحت سورية من جديد دولة تحكمية، دولة رئيسية في ميزان بلاد الشام. والعامل الأكبر في هذه القيامة هو استقرار الحكومة المحيطة بالرئيس بشار الأسد، مشددةً على فكرة قوة وتماسك المجتمع السوري الذي تميزه لوحة الفسيفساء التي تشكله، ومشيدةً بالعلمانية التي اختارها الرئيس الراحل حافظ الأسد، على غرار الجمهورية الفرنسية، التي تعتبر أيضاً دعامة يتمسك بها السكان بصدق بغض النظر عن ولائهم الطائفي.

تقول ماريا بومبير في عام 2022، وبعد عشر سنوات من اندلاع الحرب على سورية، استمرت المضايقات والاستفزازات من قبل “إسرائيل” وتركيا، وتواصل الولايات المتحدة إضعاف الدولة من خلال دعم المبادرات الإرهابية المختلفة ومن خلال السيطرة على مناطق النفط. وتضيف الباحثة أن سورية تعيد بناء نفسها وتقيم التحالفات، كما أن العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة من جانب واحد وبدون أدنى شرعية وطنية أو دولية من قبل ما يسمى “قانون قيصر” تدفع سورية لتنويع شركائها التجاريين، والابتعاد عن فرنسا التي حرمت صناعتنا وتجارتنا من المنافذ الطبيعية، ومن كل الاحترام في دول العالم منذ أن قام ساركوزي، وهولاند، ثم الآن ماكرون، بالانحناء أمام الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وضحوا بجواهر صناعتنا، بأمر أميركي. و على مدى عشر سنوات، شهدنا خيانة المصالح الفرنسية من قبل حكوماتنا المتعاقبة، مع الوزراء جوبيه، فابيوس ، لودريان، من خلال الجهل بالتاريخ، ومن خلال الجمود والجبن، وإفساد اللوبي الإسرائيلي في فرنسا، حيث تسببت طبقتنا الحاكمة في إنهيار هيبة فرنسا، وكأنها تعيد إحياء وتخليد مصداقية الغزاة الفرنجة في زمن الحروب الصليبية. وتضيف الباحثة أن الولايات المتحدة تفكر الآن في تقسيم سورية، وفقاً لمخططات سرية بغية مصادرة واستغلال نفط الشمال بشكل نهائي. ولكن من أجل ذلك، سيتعين عليها الاعتماد على تركيا التي ستظهر ابتزازها المعتاد من أجل الحفاظ على وجودها العسكري وخططها.

ومن ثم تساءلت الباحثة عما يمكن أن يفعله الفرنسيون لدفع الحكومة الفرنسية على إلغاء العقوبات عن الشعب السوري، خاصة وأن العلاقات الدبلوماسية لم تستأنف بعد، بل هي منقطعة من قبل فرنسا لمدة عشر سنوات. لذلك ترى الباحثة أنه لا يزال لديهم المجال الثقافي، ومجال الفرانكوفونية لمساعدة سورية على إعادة الاتصال بعظمتها، مؤكدةً على أن أعضاء هذه المنظمة يعملون على مشاريع تحريرية ثنائية اللغة، وأن سورية بصفتها نقطة اتصال، تبقى قلب نجم متعدد النقاط، وهي تشع بالفعل بالارتداد من الهزائم الأمريكية الأخيرة في أفغانستان وأوكرانيا.