دراساتصحيفة البعث

التاريخ لا يكذب

هيفاء علي

من وجهة نظر محلّلين غربيين، يجب على واشنطن أن تتقبل وتعترف بحقيقة فشل القمة التاسعة للأميركيتين فشلاً ذريعاً، مع استحالة إخضاع دول أمريكا اللاتينية التقدمية، ومع تزايد نفوذ الصين باستمرار، وشراكاتها الجديدة مع روسيا. وكما هو متوقع، لم تفلت القمة المذكورة من مقاطعة العديد من دول أمريكا اللاتينية، فبعد استبعاد كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا، لم تستطع واشنطن منع غياب العديد من رؤساء الدول الآخرين، ولاسيما من بوليفيا وغواتيمالا وهندوراس والمكسيك، التي كان رئيسها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور قد أدان صراحة استبعاد هافانا وماناغوا وكاراكاس. بل فوق ذلك، اتهموا الولايات المتحدة بارتكاب إبادة جماعية ضد كوبا.

لذلك وفي محاولة منها للحدّ من تفاعل دول أمريكا اللاتينية مع روسيا والصين، تواصل المؤسسة الأمريكية اعتبارها ساحتها الخلفية، ويبدو أن غطرسة شخصيات واشنطن تكرر بقوة أخطاء النخب السداسية التي تعاني من الإذلال الحاد المتزايد في أفريقيا، مع نظام الاستعمار الجديد الفرنسي الأفريقي الذي يواجه نكسات الواحدة تلو الآخرى. وواشنطن غير القادرة على تقديم شراكات مربحة للجانبين لدول أمريكا اللاتينية، بما في ذلك مجال الاستثمار وبناء البنية التحتية، تستمر في الادعاء بدفاعها عما يُسمّى بالديمقراطية.

بكل الأحوال التاريخ لا يكذب، وبصرف النظر عن المقاطعات الصاخبة للقمة والسخرية من المؤسسة الأمريكية -المتلهفة لهزيمة الصين- أثناء تقديم الهدايا للمشاركين في القمة، والتي تمّ تقديم بعضها في الصين، يجب أن تواجه واشنطن الآن تحديات جديدة، وعلى رأسها الوجود العسكري الروسي الذي لم تأخذه الولايات المتحدة على محمل الجد، ولكن يبدو الآن أنه يتحقق مع نيكاراغوا بالفعل، حيث  وقعت قيادة الحكومتين مؤخراً اتفاقية للسماح بنشر القوات والمعدات العسكرية الروسية في البلاد، بما في ذلك الطائرات والسفن الحربية. ويهدف هذا الحضور، من بين أمور أخرى، إلى تطوير تدريب جنود نيكاراغوا، وضمان الأمن، وتوفير الاستجابة للاحتياجات الإنسانية وحالات الطوارئ، وكذلك مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.

لكن بعيداً عن هذه الجوانب المهمّة جداً، من الواضح أنها ستجلب أمناً إضافياً لنيكاراغوا، التي كانت تحت أنظار واشنطن لفترة طويلة، مع إمكانية توسيعها إلى دول أمريكا اللاتينية التقدمية الأخرى. هذا دون نسيان أن الولايات المتحدة ربما ستكتشف أخيراً الاستياء الذي لم تتوقف أبداً عن تصديره إلى أركان الكوكب الأربعة، بما في ذلك الشعور بالقرب من حدودها بالوجود المسلح لخصمها، الذي لا يمكن أن يغيّر عقول أحفاد الرقيق.

في عقلية المؤسسة الغربية، يجب أن تقبل الغالبية العظمى من البشر حكم الأقلية المتطرفة. وهكذا عمل هذا النظام الإجرامي لقرون، وعليه، فإن مصدر القلق الوحيد لأولئك الذين يحنّون إلى الأحادية القطبية هو أن العالم غير الغربي لا يستمر فقط في النمو ديموغرافياً واقتصادياً وعسكرياً، مع الحقبة الدولية متعددة الأقطاب كأساس وحقيقة، ولكن كل شيء مهم أيضاً.

إنه محاولة ترويض معظم سكان هذا الكوكب حتى لا يكون لديهم أي تعقيد في مواجهة الغرب، وكل ذلك يقترن بالإرادة الراسخة لوضع هذا الغرب الجماعي في مكانه الحقيقي. وبالنسبة للباقي ستستمر العمليات الجارية، وفشل تنظيم واشنطن للقمة التاسعة للأميركتين يؤكد سقوط المؤسسة الغربية، رغم أن الأخيرة تحاول الاستمرار في التظاهر بغير ذلك.