ثقافةصحيفة البعث

قراءة في المجموعة الشعرية “قيثارة وطن”

“قيثارة وطن” مجموعة شعرية صادرة عن اتحاد الكتاب العرب لزوات حمدو، ضمت بين دفتيها ٣١ قصيدة شعرية، تنوعت ما بين الشعر العمودي والتفعيلي والنثر، فكانت بداية المجموعة بإهداء لروح الشهداء ولكل من حمى سياج الوطن، فالعنوان وحده عالم يأخذك لآفاق الحياة، حيث الجمال وتداعيات الوجود وتراتيل الذكريات التي نسجت على شرفة الوطن المكلل بعبق الياسمين الذي ينشر عبيره عند تفاصيل كل قصيدة تأخذك بأسلوبها السلس والعذب والموسيقى الداخلية التي تنتمي إلى المدرسة الواقعية وقد طغت عليها صبغة الرمزية وفي قصيدة “قيثارة وطن” تقول:

يرشف الصبح من حديثك عطرا

فتفوح الآهات والنغمات

ويطيب القصيد في ثغرك

المعسول دفقا تصوغه الكلمات

يارؤى الشعر فلتكوني بيانا

عبقريا تحوكه الراعفات

يالعنيك روضة من صفاء

تشعل الصدق للرؤى المكرمات

الصورة الشعرية في هذه القصيدة طاغية في كل مقاطعها تنيرها الإضاءات الجميلة وتتألق جذوة الشعر وتتضح خوافيه، فكيف إذا الشعر قارورة العطر الذي ينشر عبيره عند تفاصيل القصيدة فجاءت القصيدة تعلن قيثارة وطن.

وقد تنوعت قصائد المجموعة الشعرية مابين الوجداني والإنساني والوطني والغزلي، ونجد أن هناك نزعة فلسفية توازي ذلك الحس الصوفي الذي يتوافر داخل القصائد ليجسم لحظات بعينها من خلال مفرداتها الخاصة الممتزجة بالنزعة الفلسفية، فالقصيدة تعمد إلى بساطة العبارة والتماس الشعر في المعنى الكلي المنبثق من حالة تأكيد أو إعلائها بالصور البلاغية وتداخل المشاعر في المعاني كما في قصيدة “شموس الروح” حيث تقول:

أيها الضوء

هل لك أن تحتضن غربتي

والكون ما زال معتما؟!

هل لك أن تمنحني شعاع أمل

يهز مهد وحدتي…؟

لقد أبدع حزني من المواجع

وتفتحت في قلبي نورات الأقحوان

أن الحزن ينام فوق وسادتي

لماذا يحاصرنا السؤال.

نص له من تداعيات الروح وذرائعية الألم الكثير، وقد بانت هناك غربة روحية قابعة بلورتها مفاهيم الجوى بينهما بتقابلات رؤيوية عالية، فالتصور والخيال والانفعال والتعاطف وقوة الإحساس والقدرة على تشكيل وميض من النبض الشعوري للمتلقي والظواهر اللغوية التي تهدف إلى إيضاح العلاقة بدقة الأسلوب وبراعة التركيب وفي قصيدة “نداء حبيبة” تقول الشاعرة:

هل رحت تحترف الطواف بعالم

أعيت على جمر هناك وسائل

وتطوف في دنياك روحي آية

دمع على خد الحبيبة نازل

الحب صاف زنبقات ثرة

فهو الربيع لوصله سأحاول

عمر ويرتعش النسيم بفجره

القصيدة هنا مستقاة من الحياة فيها الحب والشوق والغياب والألم والعتاب، فتأخذك إلى محراب الحب ناظرة إلى قبلة القلب فاستطاعت أن تأتي بمعان متفردة مدهشة وجمالية في التعبير شفافة تعتمد على الوضوح والواقعية فهي لغة تكاد تكون خاصة بالشاعرة وبأدواتها الفنية واستحضار حالتها النفسية من خلال هذه القصيدة.

وفي قصيدة “دمع القصيدة” تقول الشاعرة:

يا قمرا.. يغفو على كتف الغيوم

كفكف دموع القصيدة

وخذ يدي..

صافح بها وجع النهار

وبريق الأعماق

وأرسم.. بأصابعي على صدرك

المضطرب كنوز رغبتي

تخطو عابثة بين الرماد… والنار.

القصيدة تطرح الكثير من الأسئلة المعبأة بكثافة المعاني واختلافها وكشف آليات الخطاب الشعري ومدى انفتاحه على تجليات اللحظة الإبداعية التي تشكل بؤرة البوح لدى الشاعرة التي تعيش غربة الروح، فالألم ممتد والنفس الشعري يخرج بآنة موجعة والألم يأتي امتداداً لزفرة واحدة ولكنها أضفت جمالية الأسلوب وعمق المعنى والسؤال هنا نجد حرية التعبير، وقد استطاعت الشاعرة أن تجسد حالة التشظي التي تعيشها الذات في مغتربها ومنفاها وتوصل للقارئ عناءها في العثور على السلام والنوال الذي لايتعدى هدأة الروح فالإيقاع الموسيقي والصورة بانزياحها الدلالي أعطى القصيدة ذائقة جمالية وتقنية شعرية، وقد اعتمدت الشاعرة سمة الرمزية المنطلقة من رؤية فلسفية وتأملات الكون وتلك الدوامة التي تحيط بالذات والمشاعر القلقة بتركيب تصويري يحمل ذبذبة غير متصلة لكنها محسوسة وهو التبركن الروحي الأنوي ينهمر من الوجع وفي قصيدة “تخوم الحنين” تقول الشاعرة:

هناك على تخوم الحنين

تراءى لي طيف

كان يراني نخلة.

وكنت أراه درويشا

يمدح ظلي.

يرسمني ظلاً مشغولاً من ماء الحبق

أثناء تأملي لهذه القصيدة لاحظت الانتقاء المتناسب للألفاظ، فقد اختارت الشاعرة الألفاظ الرقيقة التي واءمت الحالة الوجدانية التي تعيشها الشاعرة، إنه نص المعنى يكتشفه المتلقي خلف الفكرة المطروحة في القصيدة وهو اختيار جميل يتناسب مع الحالة ودرجة العمق والانزياح نحو الخيال الذي أخذتنا إليه وحلقت بنا على جناح القصيدة بحرفية عالية وفي قصيدة “همسات على أوتار الموج” تقول الشاعرة:

همس الموج الشراع وقالا

إنني العشق رقة وجمالا

همس الموج للصباح حديثا

كحديث الفيروز يقرأ فالا

أخطبوط تقاذفته رياح

في رمال تستصرخ الآمالا.

في قصائدها تبحث عن الخصوصية والتنوع بصقل مرايا الواقع وإيصال رسالة إنسانية ووطنية من خلال الشعر، والشاعرة زوات حمدو تزين مجموعتها بقصائد تمزج بين العلاقة الصادقة والفطرة الأدبية التي تجدها مؤثرة ومناسبة.

حاولت الشاعرة من خلال هذه المجموعة بث شعرها ومشاعرها في جنس أدبي متميز فالإبداع يعتمد على الإحساس والتعبير الجاد والخفي والمعلن نتيجة الصراع الداخلي وتعتمد أيضاً الصورة البسيطة غير المعقدة التي تمس شغاف القلب وتلامس الوجدان وقد برعت في وصف الواقع وتصويره عبر رسالة للآخر  كتقنية شعرية ذات أبعاد ذاتية وتضميناتها الإبداعية.

هويدا محمد مصطفى