مجلة البعث الأسبوعية

القطاع الزراعي يستجدي الإنقاذ .. تقليدية الأساليب تهدد الإنتاج والمنافسة.. جذب الاستثمارات لم ينعكس تطويراً.. فأين نحن من “الزراعة الذكية”؟

البعث الأسبوعية – ريم ربيع

من “قاطرة للنمو” إلى “زراعة الكفاف”، لم يك تحول القطاع الزراعي من الحالة الأولى للثانية نتاج فترة قصيرة أو وليد حربٍ وحسب، حيث تراكمت العقبات والصعوبات وبعض “التكاسل” طيلة السنوات الماضية، ليصل القطاع بشقيه النباتي والحيواني لدرجة استجداء الإنقاذ من أي طرف، حتى نبقى -وعلى أقل تقدير- نأكل مما نزرع ونحقق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي المهدد أساساً بالزوال.! فبدلاً من تطور الفكر والآليات الزراعية، نجد أن نقص المستلزمات والمحروقات يعيد الفلاحين إلى الأساليب القديمة كاستخدام المحراث أو التخلي عن السماد دون بديل وهدر المياه في أساليب السقاية التقليدية.

جهود مهدورة

وفوق صعوبات استصلاح الأراضي وتأمين البذار والسماد والري والمحروقات، لا تزال تقليدية الزراعة المحلية المتمسكة بالأساليب القديمة، تزيد من تلك الأعباء، وتصطف معها كواحدة من عوامل انخفاض الإنتاجية وارتفاع الأسعار وضعف المنافسة مع بقية الدول التي أوجدت ما يعرف بالزراعة الذكية والزراعة المؤتمتة المعتمدة على البرمجيات الحديثة، والمكننة المتطورة، حيث يبذل الفلاحون جهوداً مضنية في الحراثة والزراعة والسقاية والقطاف، ويستهلكون كماً كبيراً من الجهد والوقت والموارد مقابل مردود قد يخذلهم في كثير من الأحيان، ويوقعهم في دوامة الخسارات والديون.

بطء شديد

حتى التعويل الحكومي في المرحلة الحالية على النهوض بالزراعة ومحاولة جذب الاستثمارات الزراعية لم نجد أنه تطرق إلى تطوير التقنيات لمواكبة التطور، بل هو بالكاد يسعى لتأمين الكفاية الذاتية بما هو متاح من الموارد، وبتكرار الأخطاء ذاتها في كل المواسم دون إيجاد حلول للمشكلات التي تجاوز عمرها سنوات طوال، أما في بعض التقنيات التي يتم العمل على إدراجها كالري الحديث أو الزراعة العضوية، فهي تسير ببطء شديد وعقبات لم تجد لها حلولاً بعد.

متخلفة وخارج التنافسية

الآليات والتقنيات المعتمدة في الزراعة محلياً يراها الخبير الزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة متخلفة وخارج مجال التنافسية، فالإنتاج الزراعي متواضع ولم تدخل المكننة الحديثة إليه، ولا يخضع لمقاييس ومعايير ثابتة في الزراعة والحصاد مما يهدد التنافسية في الأسواق، كما أن الإنتاجية ضعيفة – رغم أن بعض المحاصيل حققت إنتاجية تفوق المعدل العالمي- إلا أن هذا لا يعتبر مقياساً إن لم يستند على أسس ومعايير واضحة، فضلاً عن نسبة الهدر الكبيرة سواء في الجهد أو حتى في الموارد التي نعاني شحاً كبيراً فيها.

أربعة أضعاف التقليدي.!

وبيّن قرنفلة أن التزايد السكاني يزيد الطلب على المنتجات الزراعية مقابل تناقص المساحات المزروعة –سهل الغاب مثالاً-، مما دفع العالم لتطوير أساليب الزراعة وتقنياتها، وأصبح يوجد ما يعرف بالزراعة الرقمية والزراعة الذكية التي تعتمد على مبادئ الأتمتة لتسهيل العملية، سواء في السقاية ورش المبيدات التي تكون مبرمجة آلياً، وفي الحصاد وحتى في تربية الحيوانات، حيث يزيد الإنتاج عبر اتباع هذه التقنيات أربعة أضعاف عن الإنتاج التقليدي.

تكلفة أكبر وإنتاج أقل

وفي البعد الاقتصادي –أضاف قرنفلة- إن الزراعة التقليدية أصبحت غير قادرة على المنافسة، لأن التكلفة أكبر بكثير، والإنتاج أقل بأربع مرات، مما ينعكس على تصدير المنتجات غير الخاضعة لمقاييس، والتي تكون أغلى ثمناً من المنتج المعتمد على الزراعة الحديثة.

وأوضح قرنفلة أن الزراعة تنمو بجو معرفي وثقافي، فالمطلوب تنشئة جيل من المزارعين مختلف تماماً عن المزارعين القدماء، يتجه لتطوير تكنولوجيات حديثة في الزراعة، ويطّلع على التجارب العالمية للعمل على توطينها، فسمعة الفلاح السوري كانت الأفضل لمئات السنين، وكان السباق في الإنتاج والتصدير وحتى تحسين الأصناف الزراعية وزيادة الإنتاجية، إلا أنه تأخر كثيراً اليوم في مواكبة التطور التقني المتسارع.

تردد الخاص

وفيما يتجه البعض للتعويل على دور القطاع الخاص في نشر واعتماد هذه التقنيات أمام الأعباء التي تعيق تفعيل دور القطاع العام في هذا المجال، نجد أن تخوّف الخاص وتردده في الاستثمار الزراعي لا يزال هو سيد الموقف، وهو ما بدا واضحاً خلال مؤتمر الاستثمار الزراعي الأخير الذي دعا فيه وزير الزراعة حسان قطنا المستثمرين للحديث عن الأسباب الحقيقية لهذا التردد وإيجاد الحلول لها، إذ تراوحت إجاباتهم بين عراقيل الاستثمار وملكية الأراضي وضبابية التشريعات، فيما يصر الجزء الأكبر على الابتعاد ما أمكن عن القطاع الزراعي ذو المخاطر الكبيرة وعدم ضمان الربح السريع.!!

لم يسمع بها أحد!

في هذا السياق اعتبر قرنفلة أن المسؤولية تتوزع بين الدولة والقطاع الخاص، علماً أن 90% من الزراعة في سورية تعتمد على الأفراد، ففي المشاريع العملاقة لا يكون القطاع الخاص قادرا على الدخول في البنى الأساسية التي يفترض أن تحضرها الدولة ليستند عليها الخاص في مشاريعه، مبيناً أن الحكومة أصدرت قانون الاستثمار، كما أعدت وزارة الزراعة أدلة استثمارية وأعلنت عن المشاريع المتاحة، ولكن بعد سؤال المستثمرين وجدنا أنه لم يسمع بها أحد، وذلك لضعف الترويج والتواصل مع المستثمر.

غير مشجع

وأضاف قرنفلة أن قانون الإصلاح الزراعي يحدد سقف الملكية لذلك فهو غير مشجع للاستثمار، مثلاً: وزارة الزراعة تطلب من المستثمرين إنشاء مجمعات لتربية الأبقار، إلا أن  قوانين الإصلاح الزراعي تمنع الحصول على المساحة الكافية لذلك، أما أملاك الدولة فهي إما صخرية أو بادية أو غير صالحة للاستثمار الزراعي، لتكون النتيجة بأن المستثمر يحتاج ثلاثة أرباع قيمة الاستثمار فقط ليستصلح الأرض.!

مو فهمانين.!

إضافة إلى ذلك لفت قرنقلة إلى أن الخطاب الموجه للمستثمر المحلي والمستثمر الخارجي هو ذات الخطاب وبذات اللغة و”التنين مو فهمانين شي”، مؤكداً على ضرورة التواصل مع المستثمرين بشكل علمي، والترويج الصحيح للأراضي ولمشاريع الاستثمار، وداعياً لتأمين المستلزمات الزراعية التي تشكل الدعامة الأساسية لأي تطوير.

القمح أولاً

وعن الأولويات في تطوير التقنيات الزراعية، أشار قرنفلة إلى التركيز على محصول القمح ذو الأهمية الأكبر، فمع محدودية الموارد المائية وتراجعها لا بد من العمل في هذا الإطار من قبل مركز البحوث الزراعية لإيجاد أصناف من القمح لا تتطلب الكثير من المياه، وتعطي في المقابل تبن أكثر للثروة الحيوانية، مؤكداً أن تطوير الزراعة واعتماد التقانة يحتاج استراتيجية وطنية متكاملة.

الطرق الحديثة

وتتراوح طرق الزراعة الحديثة بين تسميد التربة بأنواع أكثر فاعلية، وحراثة الأرض التي تتم بـ”التراكتورات” السريعة التي تزيد من فعالية الإنتاج عبر تهوية الأرض، وطرق الري الحديث (تنقيط، رشاشات) ، وآليات زراعة البذور التي تحل محل مئات العمال لتأدية عملها، وآلات الحصاد الحديثة، والتقنيات التكنولوجية التي ساهمت في تحسين جودة الثمار والنباتات التي يتم إنتاجها عن طريق زراعة البذور المحسنة والنباتات المهجنة للحصول على أصناف أكثر مقاومة للأمراض، وأفضل من حيث كمية الإنتاج، وثمار أكبر حجماً.

الوحيد..

وأمام هذه الأساليب الحديثة، فإن الري الحديث هو الجانب الوحيد الذي أعد له مشروع وطني محلياً في ظل شح الموارد المائية، حيث أعلن منذ نح من 5 سنوات عن المشروع الوطني للتحول للري الحديث ورصد لتحقيقه 22 مليار ليرة، وهو يوفر 50% من استهلاك المياه عن الأساليب التقليدية، كذلك يوفر في استهلاك الطاقة والمحروقات، ومع ذلك لا تزال نسبة كبيرة من الفلاحين تعتمد الأسلوب التقليدي، فالمشروع لم يحقق الانتشار المطلوب بعد، خاصة وأنه توقف من عام 2012 حتى عام 2018 بسبب ظروف الحرب، قبل أن يعاد تفعيله في العام الأخير المذكور.