مجلة البعث الأسبوعية

محمد قطان.. حاور الكبار وقرأ بيان الحركة التصحيحية

البعث الأسبوعية- أمينة عباس

هو أحد الذين أسسوا الإعلام السوري، وعمل مبكراً في الإذاعة، كما شهد ولادة التلفزيون العربي السوري، فعاصر بداياته وساهم فيها، كما عاصر حوادث سياسية كبرى شهدتها سورية منذ أواخر الستينيات، وكان أول مَن قرأ البيان الأول للحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد.

*كيف كانت البدايات التي مهدت لما ستكون عليه؟

**منذ صغري كان الكتاب صديقي والمطالعة هوايتي المفضّلة،وحين كنتُ أحد طلّاب مدرسة التجهيز للبنين الأولى “جودت الهاشمي حالياً” عملتُ مع بعض الطلاب على إصدار نشرة دورية شهرية كانت تضم كتابات الطلاب الثقافية المختلفة، ولرغبتي في تجاوز حدود هذه النشرة بدأتُ أتواصل مع المجلات والصحف التي كانت تصدر آنذاك،ومنها جريدة “البعث”ونشرتُ فيها بعضَ القصائد الشعرية التي كنتُ أنظمها وبعض المواضيع السياسية، إلى أن عملتُ مندوباً لصحيفة “الحضارة” التي كان يرأس تحريرها أ.تيسير النحاس، مع الإشارة إلى أنني عملتُ في المسرح المدرسي ونفذتُ مسرحيات صغيرة، كما أسستُ فرقةً مسرحية عُرِفتْ آنذاك باسم فرقة الفنان التشكيلي عبد الوهاب أبو السعود، كما قدمتُ مجموعةً من التمثيليات في الإذاعة آنذاك تحت عنوان “أعلام خالدون” وعندما تأسس النادي الشرقي كنتُأحد أعضائه وعملتُ برفقة الإعلاميين عادل خياطة وسامي جانو وخلدون المالح والفنان عبد الرحمن آل رشي وغيرهم من الأدباء والشعراء والفنانين، كما كتبتُ نص مسرحية أخرجتُها بمساعدة نادي فلسطين عنوانها “تراب الوطن” وقُدمت على المسرح العسكري.

*أجريتَ عدة حوارات مع شخصيات مهمة في سن مبكرة جداً..حدّثنا عنها وكيف تم ذلك؟

**بعد عملي في صحيفة “الحضارة” التي كنت أكتب فيها بعضَ الموضوعات والأعمدة الثقافية أخبرني رئيس التحرير أنه معجب بكتاباتي وأنه سيكلفني في وقت لاحق بإجراء حوارات مع الأدباء وبعض الشخصيات الهامة فامتثلتُ لما يريد، وأصبح يرسلني لإجراء حوارات مع شخصيات متنوّعة، واستمرّيتُ في ذلك إلى نهاية المرحلة الثانوية وأنا أتعاون معه، ومن أهم اللقاءات التي أجريتُها حينها وكنتُ لا أزال في مرحلة البكالوريا مع الشاعر نزار قباني والأديب عبد السلام العجيلي، وبالنسبة لحواري مع قباني كنتُ في عمر السادسة عشرة، ونزار قباني كان جاراً لنا وأجريتُ الحوار في بيته في مئذنة الشحم والذي كان قريباً من منزلنا الذي كان في منطقة الحريقة، وأجريتُ معه أكثر من لقاء، ولا أخفي أنه في بداية لقاءاتي معه كنتُ أرتجف لأنني في حضرة شاعر كبير يفرض احترامه على الكبير والصغير، وكان متواضعاً جداً، وأذكر أن مدرستي كانت قريبة من بيته، ومنذ المرحلة الابتدائية كنّا نمر أمام باب بيته، وكان والده لديه معمل سكاكر، لذلك غالباً ما كان يعطينا السكاكر بعد الانتهاء من دوام المدرسة ويدعونا للدخول إلى البيت، وحينها كنا نرى نزار قباني الذي أصبح الشاعر المعروف، وتحدّثتُ في حواري معه عن القيم الشعرية لأنني كنتُ أكتبُ الشعر، وكيف ذهب من الميدان الشعري إلى الميدان النثري، كما طلب منّي النحّاس صاحب الجريدة في إحدى المرّات عام 1955 أن أتوجه إلى مكانٍ معيّن وأن أجري حواراً دون أن يخبرني باسم الحدث والشخصية التي سوف أراها هناك، وطلب من السائق إيصالي إلى هذا المكان دون أن يجعلني على اطّلاع على الأمر، فتوجهتُ إلى العنوان وكان في أعلى جبل قاسيون، وحين وصلتُ واقتربتُ قليلاً اكتشفتُ أن هذا الشخص هو رئيس الجمهورية آنذاك هاشم الأتاسي الذي كان يحتفلُ بعيد الشجرة الثالث، ويشارك جموع المواطنين الذين واكبوه في زراعة الغراس، فارتجفتُ حين شاهدتُه، ومع هذا تقدّمتُ نحوه لإجراء الحوار بهذه المناسبة، وبدأتُ بطرح الأسئلة التي لها علاقة بعيد الشجرة، وبعد الانتهاء من الحوار طلب مني التوجه نحو فارس الخوري وكان حينها رئيس مجلس الوزراء وكان برفقته وصُدمت بدايةً ثم اتّجهتُ نحوه للحديث عن عيد الشجرة الثالث ثم دعاني هاشم الأتاسي إلى صورة تذكارية معه ومع فارس الخوري، وكانت وما زالت هذه الصورة من أحب الذكريات إلى قلبي.

*من الصحافة إلى الإذاعة، كيف تم هذا الأمر؟

*كان الدخول إلى الإذاعة للعمل فيها حلماً يراودني كلما مررتُ بمبناها الذي كنتُأشاهده يومياًأثناء ذهابي إلى المدرسة ثانوية التجهيز الأولى والذي تحقق من خلال أستاذ اللغة العربية الشاعر عبد الكريم الكرمي الملقّب أبو سلمى والذي كان آنذاك مشرفاً على برامج الأطفال في إذاعة دمشق،حيث كنتُ قبل ذلك مستمعاً جيداً لأحد البرامج المخصّصة للأطفال في القاهرة، وكانت فكرة البرنامج مُستمدّة من قصص “كليلة ودمنة” وقد استفدتُ من هذه الفكرة وقَدّمتُ نصاً مشابهاً للكرمي، ومرّت الأيام دون أن يقرأ ما أرسلتُه إليه، وكنتُ على أحرّ من الجمر لمعرفةِ رأيه، فقرّرتُ أن أتوجّه إلى موجّه المدرسة وطلبتُ منه أن يُساعدني في إقناع الكرمي بقراءة ما كتبتُه بعد أن قَدَّمتُ له نسخة ممّا كتبته، وبعد عدّة أسابيع أخبرني أن أتوجه إلى عبد الكريم الكرمي في غرفة الأساتذة، وحين قابلتُه قال لي: “هذا النص الذي كتبته أكثر من جيّد، فمن كتبه لك؟” فأكدتُ له أننّي أنا من كتبتُ كلّ حرفٍ فيه، وحينها طلبَ منّي كتابة حلقتين، وعرض عليّ العمل في برنامج الأطفال في إذاعة دمشق بعد أن طلب منّي إحضار مجموعة من الأطفال للمشاركة في البرنامج، وهكذا استمرّيت عدّة سنوات أُعِدُّ وأُقَدّمُ وأُخرِج برامج للأطفال، وتدريجياً أصبحتُأعدّ وأخرج برامج أخرى.

*كيف تعرفت على الإعلامي يحيى الشهابي؟

**في يومٍ من الأيام وحين كنتُ أُدرّب الأطفال في الإذاعة لفت نظري شخص اعتاد على مراقبتي في كثير من الأحيان مما أثار الشكّ في داخلي، وحين سألتْ من يكون هذا الشخص أخبروني أنه مدير برامج إذاعة دمشق أ.يحيى  الشهابي، وبعد عدّة أشهر طلبني إلى مكتبه، مثنياً على أدائي وطبقة صوتي ولغتي، وبادر القول: سأجعلُ منك مذيعاً، فبعد نجاحك في تقديم برامج الأطفال أصبح بإمكانك تقديم برامج أخرى بنجاح، وأخبرني أنه يجب أن أخضع إلى تدريب وطلب من المذيعين عادل خياطةوفؤاد شحادة وعبد الهادي البكار تدريبي على نشرات الأخبار في أحد استديوهات الإذاعة في شارع النصر، وهكذا استمرّ تدريبي لمدة ثلاثة أشهر، وحينها اختارني لتقديم برنامج يوَجَّه إلى المغتربين العرب في أميركا اللاتينية، وكان يُذاع عند الساعة الثانية ليلاً، وأخبرته أنني ما زلتُ طالباً، وأن هذا التوقيت صعب، وأن أهلي لن يوافقوا على ذلك، فقال ليتدبر الأمر،وحينها لجأتُ إلى جدّتي التي كانت معروفة بحكمتها وشخصيّتها القويّة وأخبرتُها بذلك فطلبتْ مني أن آخذها إلى يحيى الشهابي، وحين أخبرتُه برغبتها وافق على مقابلتها، وحين حضرت قادها إلى الاستديو وطلب مني أن أقرأ أمامها نشرة الأخبار ذُهِلَت جدتي ولم تصدّق أن هذا الذي كان يتكلّم هو أنا ولم تُخفِ سعادتها وهي تراني، حينها أخبرها الشهابي أن هذا هو العمل الذي سأعمل فيه في ذلك التوقيت، ووافقتْ ولكن بشرط أن ترافقني،فوافق، وهكذا اتفقنا أنا وجدّتي أن نخرج ليلاً دون علم والدي لتقديم نشرات الأخبار فاستمرّ الوضع على هذا النحو لمدّة أسبوع، وبعد ذلك سمحتْ لي جدّتي الذهاب لوحدي، وأثناء ذلك كنتُ أُساعد المذيع عبد الهادي البكّار في برنامجه “الطلبة” وكذلك فؤاد شحادة في برنامجه “صوت المدينة” الذي كان يدور عن دمشق.

*حدثنا عن الإذاعة في فترة الخمسينيات.. ما أهم ما كان يميزها برأيك؟

**كنتُ فيها تلميذاً إلى جانب كوكبة من الإعلاميين الذين أسسوا للعمل الاذاعي، وقداستطاعت الإذاعة خلال هذه الفترة وبزمن قياسي أن تصبح من أهم الإذاعات العربية التي فتحت أبوابها لأهم الفنانين العرب كالرحابنة وفيروز وعبد الحليم حافظ ونجاح سلام ووديع الصافي ونصري شمس الدين،وقد شهدتُ تسجيلاً لفيروز  لأغنية بعنوان “عتاب” من خلال وجودها في الاستديو الإذاعي برفقة زوجها عاصي الرحباني وشقيقه إضافةً إلى الفنان محمد محسن.

*أي ذكريات لديك عن التلفزيون السوري وقد شهدتَ بداياته؟ وما هي أهم البرامج التي قدمتَها فيه؟

**سبق بداية الإرسال في التلفزيون في جبل قاسيون عمل دقيق وكثيف لأن القائمين على هذه المهمة الصعبة أن يكون ما يُقَدَّم على الشاشة منذ الإطلالة جميلاً وراقياً ومتقناً.. وقد بدأ التلفزيون إرساله لمدة ساعة في بداية الأمر ضمن استديو لا تتجاوز مساحته عشرة أمتار، وكان الجو في التلفزيون آنذاك رائعاً، وكان هناك اجتهاد وبحث ومثابرة من قِبَل كل من يعمل فيه، وكان الجميع يتسابق مع الزمن لا لشراء الآلة الأحدث، وإنما لتقديم الفكر الأحدث.. وتطوَّر التلفزيون بفضل المبدعين الذين أرادوا أن يُقَدموا كل ما لديهم دون السؤال عن المُقابل.. والجميع كان يعمل بشغف، ثم بدأ يتطوّر تدريجياً إلى أن وصل ما وصل إليه اليوم في ساحة الأمويين.. وقد أحببتُ العمل كثيراً فيه وهو الذي كان يتطلب الكثير من الجهد والمثابرة، وكثيرة هي البرامج التي قمتُ بإعدادها وتقديمها، مثل برنامج “اعرف مهنتي” و”أوائل الطلبة” و”الحل الصحيح” و”فكر تربح”، وأهم هذه البرامج بالنسبة لي هو برنامج الهواة الذي كنتُ أُقدّمه وأخرجه لمدة أربع سنوات وقد خرّج هذا البرنامج الفنان صفوان بهلوان الذي اشتُهِر بأدائه الجميل لمحمد عبد الوهاب، بالإضافة إلى برامج أخرى مثل “مهنتي” وهو برنامج مسابقات، و”شعر وشعراء” مع الإشارة إلى أنني عملتُ فيه مذيعاً ثم رئيساً لدائرة المذيعين والتنفيذ ورئيساً لدائرة البرامج الثقافية فمديراً للبرامج فمديراً عاماًللتلفزيون.

*لك ذكريات جميلة أيضاً عن مدينة حلب كإعلامي فماذا عنها؟ 

**أهمها عندما انتدبتُإليها لتغطية مهرجان سوق الإنتاج الزراعي ومهرجان القطن، وكانا حدثين مهمّين آنذاك، والتقيتُ خلال السوق مع عدد كبير من التجار والزوّار، وكان هذا السوق صورة مصغّرة عن معرض دمشق الدولي، ومن أهم الأحداث المهمّة التي كان لي شرف المشاركة في إطلاقها أنه وفي إحدى دورات مهرجان القطن طلب منّي أحد المحافظين في حلب فكرة جميلة يتم تنفيذها أثناء المهرجان، وبعد التفكير اقترحتُ له إجراء مسابقة ملكة جمال القطن  ونجح البرنامج كثيراً، ثم وبعد فترة طويلة تم اختياري للمساهمة في تأسيس المركز التلفزيوني في حلب وبقيتُ في حلب لمدة سنتين مديراً لإذاعة ومركز حلب التلفزيوني.

*في رحلتك الإعلامية الطويلة عاصرتَأحداثاً سياسية كبرى مرت بسورية منذ أواخر الستينيات فماذا تذكر منها؟

**أذكر وكلّي فخر قراءتي للبيان الأول للحركة التصحيحية التي قادها القائد حافظ الأسد وتغطية الإعلام السوري لحرب تشرين التحريرية والتي دفعت طيران العدو الصهيوني لاستهداف مبنى التلفزيون في محاولة لإسكات صوته، الأمر الذي يؤكد أن الإعلام رديف مهم للجيش ومشاركته ملموسة في معاركه للدفاع عن الوطن.

*مارستَ التدريس فترة، فماذا عن هذه التجربة؟

**درّست مادة اللغة العربية في قسم الصحافة في جامعة دمشق وهي مادة ضرورية لطلاب الإعلام والعاملين في المجال الإعلامي، وكنتُقبل هذا مدرّساً في بعض المدارس، كما قمتُ لفترة طويلة بتدريب العديد من المذيعين على الإلقاء الصحيح.