صحيفة البعثمحليات

“اتحاد العمال” و”التنمية الإدارية” يشخّصان سوق العمل: تعاني من اختلالات.. الإحصاءات غائبة ولا تحليل لدينا عنها..!.

دمشق – بشار محي الدين المحمد

ركز رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري أهمية تسليط الضوء على قضية سوق العمل كونها من أبرز قضايا الاقتصاد السوري، وضرورة البحث في الاختلالات التي تعتريه، مؤكداً -خلال ورشة تخصصية حول تنظيم سوق العمل في سورية لجهة المحددات الجديدة والتحديات التي تواجهه – أنها اختلالات قديمة ومزمنة وموجودة من قبل الأزمة، مشيراً إلى أهمية الاستماع لوجهات النظر من قبل ممثلي كافة الجهات العامة والخاصة والنقابية والجامعية والبحثية على اعتبار أنها ليست قضية خاصة بالعاملين وحدهم، بل هي قضية هامة وتنعكس على كافة أوجه النشاط الاقتصاد الوطني كما تعد من أبرز القضايا الوطنية التي لا يمكن إقصاء أي طرف عن المشاركة برأيه تجاهها.

وذهب القادري إلى أن الاقتصادات التي تعاني من خلل في سوق العمل هي اقتصادات طاردة للاستثمار، مؤكداً أن الحكومات حاولت مراراً وتكراراً دراسة هذه القضية ولكن جهودها لم ترتق لوضع إستراتيجية شاملة للمعالجة، آملاً أن توفق هذه الورشة بالخروج بمخرجات تفيد صاحب القرار برسم تلك الإستراتيجية الشاملة ضمن ورقة عمل واقعية، وأن لا يكون مصير تلك المخرجات الأدراج والإهمال كما يحدث في العديد من الدراسات، وأن تحقق الفائدة لجميع المهتمين.

ولفت القادري بوضوح إلى أسباب إختلالات سوق العمل مؤكداً أن أهمها قانون العاملين الموحد للعام 1985، والذي قاس جميع عاملي الدولة بمختلف قطاعات، رغم اختلاف طبيعة أعمالهم، ضمن معيار أو مقياس موحد، باستثناء الجامعات والعاملين ضمن قطاع النقل الجوي، مشيراً إلى أهمية الجهود التي تبذلها وزارة التنمية الإدارية لحل تلك المشكلة ضمن مشروع الإصلاح الإداري.

وتابع القادري: من الأسباب أيضاً اعتماد البنية التشريعية لسوق العمل على القانون رقم 17 الذي ينظم علاقات العمل ضمن القطاع الخاص والذي بدأت الملاحظات تثار تجاهه منذ اليوم الأول لتطبيقه ودخوله حيز العمل، ومع ذلك فهو لا يطبق حتى بصيغته الحالية رغم ما أثير حولها.

كما حمّل القادري سياسة التوظيف الاجتماعي جزء من مسؤولية هذه الاختلالات ورغم البعد عن تلك السياسة إلا أن آثارها لم تنقطع أو تعالج كونها مكرسة ضمن ثقافة والقرار لوحده لن يلغيها.

وذهب القادري إلى أن قانون الاستثمار رقم 18 يحتاج إلى بنية قانونية متكاملة كما يحتاج إلى تأمين متطلبات الاستثمار وثقافة عمل جدية والابتعاد عن المركزية في الإجراءات وتبني عقلية منفتحة بالتعامل مع كافة المشكلات.

من جهتها وزيرة التنمية الإدارية الدكتورة سلام سفاف نوهت إلى أن سياسات التوظيف العامة تنعكس من خلال المسابقات، مؤكدة أنه ليس لدينا تحليل لسوق العمل، أو ربط لمخرجات التعليم بهذا السوق، وغياب الإحصاءات، كما أنه يوجد خلل بين الملاك العددي في الجهات العامة ومخرجات التعليم رغم بدء بعض التحركات لطرح تخصصات دقيقة ومناسبة مثل (نظم الاتصالات، إدارة الأعمال، تمويل ومصارف).

وترى سفاف أن من أهم إختلالات سوق العمل وجود صراع بين الشهادة والتخصص، وبين الشهادة المطلوبة للعمل والخبرة في العمل، إضافة لسوء استثمار القوى العاملة، الموجودة، والاختلال بين التوزع الجغرافي للقوى العاملة ومنشآت العمل.

وأكدت سفاف السير باتجاه التخصص الدقيق ضمن المسابقات المعلن عنها، وتغيير نمط الاستقطاب من خلال التركيز ضمن المسابقات على المهارات الذاتية للمتسابق والتي ستمكنه من تحويل معلوماته إلى ممارسة، مؤكدة أيضاً على التركيز مستقبلاً على مهارات استخدام الحاسب بنسبة 40 % من الاختبارات، وأنه يتم حالياً تحليل بيانات سوق العمل من خلال بيانات المسابقة حيث تبيّن مؤخراً أن الفئة الأولى هي الأقل إقبالاً على المسابقة، وأن أكثر من 60% من المتقدمين إناث بالرغم من وجود أعمال مهنية وإنتاجية، وطبعاً هذا من مفرزات الأزمة التي نمر بها ولم يكن مألوف سابقاً، وستتم الموافقة للإناث على ممارسة تلك الأعمال استناداً لتوجيهات رئيس الحكومة.

ووفقاً لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد سيف الدين، فإن التربية الاجتماعية تساهم في توجه الفرد إلى سوق العمل وإلى تقدير خبراته وفرصة العمل المناسبة له، كما أن هناك خللا في توزيع الوظائف حيث أنها تتوجه نحو قطاع التربية والصحة رغم أن اقتصادنا زراعي ومن ثم زراعي صناعي ومن ثم صناعي تحويلي، كما أن حوالي نصف العاملين من الشهادات من الثانوية فما دون، في حين أن نسبة 24% منهم من حملة الشهادات الجامعية، والبقية من خريجي المعاهد المتوسطة والتقانية والمهنية، مشيراً لوجود خلل كبير بين العرض و الطلب في سوق العمل يصل لدرجة الندرة في الطلب وبشكل يعكس الخلل في المؤشرات الاستثمارية.

المنسق العلمي للورشة مدير المرصد العمالي الدكتور جمعة حجازي أشار إلى أن سوق العمل في القطاع الخاص عبارة عن سوق مشوه، وغير قادر على استقطاب الكفاءات، في حين تكتنف القطاع العام مشكلة البطالة المقنعة، ويعتري هذا السوق الاختلال الجندري، والقطاعي، كما يتصف بالعرض أكثر من الطلب، ويعاني الشح في بعض القطاعات والتخمة في قطاعات أخرى.

ويرى الدكتور حجازي أن وضع سوق العمل لدينا يثير الكثير من التساؤلات، فهل نملك الأدوات للتأثير في سوق العمل لإقامة التوازن بين العرض والطلب؟ وهل القطاعان العام والخاص جاهزان لاستيعاب مخرجات التعليم بأنواعه، والقوى البشرية المتاحة؟ وإن كان سوق العمل لدينا يستجيب للثورة الصناعية الرابعة من خلال الأعمال الافتراضية والإلكترونية، وإذا علمنا أن 70% من العمال يقعون ضمن قطاع غير منظم من ناحية الحقوق والتأمينات، فما جدوى الحديث عن التنظيم لسوق العمل؟ وماذا عن تداعيات”كورونا”وعدد العمال الذين أخرجهم من أعمالهم، وكيف سينهض هذا السوق إذا كانت مساهمة المرأة ضعيفة فيه؟ كما أن قطاع العمل ليس له نصيب في الناتج المحلي.

وأشار الدكتور حجازي إلى أنه من أبرز المخرجات التأشيرية المتوقعة مدى قدرتنا على إعداد أدلة استرشادية للعرض والطلب في سوق العمل، وتحديد الاحتياجات المستقبلية له، ومدى قدرتنا على استيعاب الفئة الديموغرافية الأكبر في مجتمعنا الواقعة بين 16-64 سنة، والتركيز على مسألة مراكز التدريب ومواءمتها لسوق العمل، وأكد الدكتور حجازي أن الطلب على العمالة الإلكترونية واقتصاديات المعرفة يعاني من مشكلة الشح بعكس دول كثيرة أقلعت لديها التجربة مؤخراً، وبالنظر لمسألة تشغيل الشباب فلا توجد لدينا احصاءات دقيقة حول نسبة المهاجرين منهم، لعدم امتلاكنا قواعد بيانات خاصة بقوى العمل لكون معظم أرقامنا قديمة وتعود لمرحلة ما قبل الأزمة باسقاطات تقديرية لعدم القيام بمسوحات ميدانية، إضافة إلى أن مفاضلة التخرج ما زالت تخرج كوادر لا عمل لها في سوق العمل ومع ذلك هي مستمرة على ذات المنوال.

وطالب مدير المرصد بتشكيل لجنة تضم اتحاد العمال وكافة الجهات المعنية والعلمية والبحثية لدراسة سوق العمل ووضع استراتيجية.