مجلة البعث الأسبوعية

الإعلام البريطاني يكشف جزءاً من الأسرار في أفغانستان

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

منذ انسحاب بريطانيا من أفغانستان في عام 2021، لم يكن هناك عملياً أي نقاش في بريطانيا حول الفظائع التي ارتكبها الجنود البريطانيون في أفغانستان، وتجاهل محنة ومعاناة المناطق الريفية في أفغانستان التي كانت ضحايا الاحتلال، حيث ارتكب الجنود البريطانيون فظائع في هذه المناطق، معظمها غير معلن، لأن نتائج التحقيق الرسمي للحكومة البريطانية في هذه الفظائع، من خلال عملية نورثمور، قد تم إخفاؤها والتستر عليها. وبالتالي، لا يمكن الاعتماد إلا على المعلومات التي تم الكشف عنها في حالات نادرة تم رفعها إلى المحكمة، وعلى المعلومات التي تم تسريبها من قبل المحققين العسكريين البريطانيين التي كشفت في التحقيقات الإعلامية.

على الرغم من هذه القيود، هناك بعض المعلومات المتاحة للملأ حول الفظائع الجسيمة التي ارتكبها الجنود البريطانيون في أفغانستان، وحول كيفية قيام الجنود البريطانيين بإساءة معاملة الأطفال الأفغان وقتلهم في عامي 2011 و 2012. وهنا يجب أخذ هذه المعلومات في الحسبان عندما يقوم حزب المحافظين وحزب العمال ووسائل الإعلام بالدفاع بصوت قوي عن احتلال الناتو لأفغانستان، والإشادة بالدور الذي لعبته بريطانيا في احتلال البلاد.

الإساءة للأطفال

في 18 كانون الثاني 2012 ذكرت صحيفة “ذا صن” أن جنوداً بريطانيين في مجموعة “فوج ميرسيان”، قد أساءوا معاملة طفلين أفغانيين وقاموا بتصوير الحادثة، ونشرها، مما أدى بالشرطة العسكرية الملكية لفتح تحقيقٍ في تلك الحادثة. ولم يتم الكشف عن تفاصيل الانتهاك في وسائل الإعلام في ذلك الوقت، على الرغم من ورود أنباء عن أن الاعتداء كان جنسياً. في وقت لاحق، قام فرع التحقيقات الخاصة التابع للشرطة العسكرية الملكية باعتقال بعض الجنود المتورطين في الانتهاكات، واستجوابهم ومن ثم أُطلق سراحهم.

كما تم اتهام أحد الجنود بارتكاب “سلوك مشين وغير لائق يتعارض مع المادة 23  من قانون القوات المسلحة البريطاني لعام 2006”. وفي تفاصيل تلك الجريمة أنه في يوم 12 من شهر كانون الأول عام 2011، حاول جندي بريطاني أثناء قيامه بدورية في إقليم هلمند التحرش بطفل أفغاني. ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” ، تم عرض مقطع فيديو للحادثة على المحكمة العسكرية. ووفقاً لصحيفة “ذا اكسبرس” كان الطفل المذكور يبلغ من العمر 5 سنوات، لكن الأمر المثير للاستغراب أن القاضي العسكري الذي كان يتولى هذه القضية قال للجندي الذي تحرش بالطفل، خلال إصدار الحكم: “نحن نتفهم تماماً أنه لم يكن هناك أي دافع وراء ما فعلته”. ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية، قرر المدعي العام ببساطة أنه “ليس من المصلحة العامة أو من المناسب اتخاذ إجراءات ضده في ضوء الاعتراف بالذنب” .

قتل الأطفال

كشف تحقيق أجرته صحيفة “صنداي تايمز”، و برنامج “بانوراما” في هيئة الإذاعة البريطانية  “بي بي سي ” في عام 2019 أنه في 18 تشرين الأول 2012، قام جندي بريطاني في القوات الخاصة بقتل أربعة أطفال أفغان في قرية لوي باغ.

لقد تم ارتكاب هذه المجزرة كجزء من مداهمة ليلية، والتي كانت ممارسة شائعة للقوات الخاصة البريطانية في أفغانستان خلال هذه الفترة. قال ضابط المخابرات العسكرية السابق فرانك ليدويدج لـهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي:” المداهمات الليلية ، كما يسميها البعض ، أو فرق الموت ، كما يسميها الآخرون ، هي أنك كنت تخرج سواء كان لدينا هدف أم لا. إنها نوع من الحركة الدائمة  لممارسة القتل والأسر”. كما قال فيليب ألستون، المقرر السابق الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القانون أو الإعدام التعسفي حتى عام 2010، فيما يتعلق بالغارات الليلية التي نفذها الجنود البريطانيون: “ليس هناك شك في أن العديد من الاتهامات “بقتل الأبرياء” بشكل عام لها ما يبررها، وأنه يمكننا أن نستنتج أن عدداً كبيراً من المدنيين قتلوا في غارات ليلية بشكل غير مبرر إطلاقاً”.

حققت الشرطة العسكرية الملكية في مقتل هؤلاء المدنيين الأربعة، وخلص محققو الشرطة العسكرية الملكية الذين أجروا التحقيق إلى أنه يجب توجيه تهم للجندي المعني بأربع تهم بالقتل. وادعى الجندي أن اثنين من الصبية صوبوا السلاح نحوه عبر نافذة الغرفة التي كانوا يجلسون فيها ، وأن الاثنين الآخرين ظهروا فجأة ، مما اضطره إلى إطلاق النار عليهم دفاعاً عن النفس. ومع ذلك ، تم دحض هذه الرواية من خلال الأدلة الفوتوغرافية للمشهد ، والتي أظهرت ثقوب الرصاص في الجدار الطيني للغرفة ، وأن معظم الطلقات اخترقت الجدار على ارتفاع قدمين تقريباً من الأرض. ويدعم  ذلك رواية عائلات الأولاد للأحداث، وهي أن الجندي اقتحم الغرفة وأطلق النار على الأولاد أثناء جلوسهم على الأرض وهم يحتسون الشاي. خلص محققو الشرطة العسكرية الملكية إلى أن عائلات الصبية كانوا يقولون الحقيقة، وأيضاً أنه لم يكن لدى الأولاد أية أسلحة. وصمموا  كذلك أنه يجب محاكمة الضابط الذي قاد المداهمة بتهمة تزوير الوقائع ، وأنه يجب محاكمة رئيسه بتهمة عرقلته سير العدالة.

ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية ” بي بي سي”:  “لقد كان هؤلاء من كبار الضباط في القوات الخاصة في المملكة المتحدة. واتهموا بالتستر على حادثة قتل فيها أطفال”. ومع ذلك، قررت النيابة العسكرية عدم توجيه أية اتهامات ضدهم.

وهكذا، من الواضح أن الهدف من عدم تحقيق العدالة هو مسح هذه الجرائم بالكامل تقريباً من الوعي القومي في بريطانيا، وهو دليل على أن مشاعر “القلق” على الأفغان عندما كانت بريطانيا تنسحب من أفغانستان كانت مثيرة للسخرية بشكل كبير. أين كان هذا القلق عندما تعرض الأفغان لسوء المعاملة والقتل من قبل الجنود البريطانيين؟. فقط عندما كان الاحتلال يقترب من نهايته، بسبب هزيمة المحتلين، بدأ فجأة الكثير من المجتمع البريطاني “يهتم” بمحنة الأفغان ومعاناة الضحايا الأفغان من هذه الفظائع الذين يصنفهم نعوم تشومسكي على أنهم “ضحايا لا يستحقون الاهتمام، لأنهم ضحايا فظائعنا”.