دراساتصحيفة البعث

“الحرب والغذاء”.. خطاب واشنطن يطيل الصراع في أوكرانيا

سمر سامي السمارة

بعد زيارة الرئيس السنغالي ماكي سال لروسيا في 3 حزيران الجاري، ولقائه الرئيس بوتين الذي أعلن استعداد روسيا لبذل قصارى جهدها لضمان تصدير الحبوب الأوكرانية، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محادثات مع نظيره التركي تشاووش أوغلو، وناقش بالتفصيل القضايا المتعلقة بتنظيم تصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود.

تجدر الإشارة إلى أن بوتين اقترح في وقت سابق ستة مسارات لحل أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية تضمنت طريق البحر شريطة أن تقوم السلطات الأوكرانية بنزع الألغام في البحر الأسود، وبالمقابل أكد الرئيس الروسي استعداد بلاده لضمان تصدير الحبوب دون عوائق من موانئ أوكرانيا، كما تعهد بعدم استغلال إزالة الألغام “لشن أية هجمات من البحر”.

أعاد لافروف في أنقرة التأكيد على أن محاولات تحويل هذه المشكلة إلى كارثة عالمية لا أساس لها من الصحة، حيث إن حصة الحبوب الأوكرانية في إنتاج الغذاء على الصعيد العالمي صغيرة، ففي حين أن حصة أوكرانيا من سوق الغذاء العالمي هي واحد في المئة، وتمثّل حصتها في القمح 11٪ من السوق العالمية، فإن حصة روسيا، اعتماداً على الحصاد، تتراوح بين 16٪ إلى 20٪.

أكد لافروف مرة أخرى أن روسيا مستعدة لمواصلة فتح ممرات إنسانية لتصدير الحبوب حتى مضيق البوسفور، كما هو الحال منذ فترة طويلة، وهذا ينطبق على جميع السفن التجارية، وليس فقط تلك التي تصدر الحبوب، وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 80 سفينة و450 بحاراً أجنبياً محاصرون في الموانئ الأوكرانية.

لفت لافروف الانتباه إلى ازدواجية اللغة التي يستخدمها الجانب الأوكراني، حيث يتجنبون الالتزامات بنزع الألغام في مياه البحر الأسود علناً، بينما يزعمون في المحادثات الخاصة مع تركيا أنهم مستعدون للقيام بذلك، أو تقديم خريطة لحقول الألغام وتوجيه السفن من خلالها، لكن هذا لا يغيّر من حقيقة أن أفريقيا تواصل متابعة عملية المفاوضات عن كثب، حيث تعتمد الدول الأفريقية بشكل كبير على الحبوب الروسية والأوكرانية، لكن مستوى هذا الاعتماد يختلف من بلد إلى آخر، ويتم تصدير معظم الحبوب من كلا البلدين إلى أفريقيا، وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” فإنه اعتباراً من 4 آذار 2022، استوردت 25 دولة أفريقية ثلث حبوبها من روسيا وأوكرانيا، ولكن معظمها من روسيا، وتعتبر مصر من أكبر المستوردين للقمح الروسي، حيث وصلت الكمية المستوردة إلى 8.8 ملايين طن، والسودان 2.2 مليون طن، ونيجيريا 1.8 مليون طن، بينما تعتمد دول أخرى إلى حد كبير على الحبوب الأوكرانية، ومن هنا كان الاهتمام الكبير الذي يوليه الزعماء الأفارقة للمشاكل التي تواجه صادرات الحبوب.

وبينما يتم حل مشكلات التصدير في أوكرانيا إلى حد ما، تضطر روسيا للتفكير في كيفية الوفاء بالتزاماتها في مواجهة العقوبات الأحادية غير القانونية، خاصة أن هذه العقوبات تقف في طريق التجارة الطبيعية، على عكس قواعد منظمة التجارة العالمية التي مارست الدول الغربية نفسها ضغوطاً من أجلها، في الحقيقة، ينفي الغرب بشدة وبشكل غير مبرر أن تؤثر هذه العقوبات على إمدادات الحبوب، على الرغم من أن العودة إلى الوضع السابق تتطلب رفع العقوبات عن الوكلاء الاقتصاديين الروس، مع الأخذ في الاعتبار أنه بمجرد تطبيق نظام العقوبات، لا يمكن تأمين ولو سفينة لدخول ميناء أجنبي، فضلاً عن الحظر الذي فرض على البنوك الروسية استخدام نظام “سويفت”.

سلّط ماكي سال في مقابلة له عشية زيارته إلى باريس الضوء مرة أخرى على الآثار السلبية للعقوبات، وأكد مجدداً التزام الرئيس الروسي، مشيراً بعبارات دبلوماسية لشركائه الغربيين إلى أن آسيا، على الرغم من العقوبات الغربية، تواصل التجارة مع موسكو، بينما وجد الأوروبيون حلاً مع روسيا لتلبية احتياجاتهم، وتوفير آليات خاصة لدفع ثمن الغاز والحصول على استثناءات لعدد من السلع الأخرى.

في غضون ذلك، يواصل الشركاء الغربيون ممارسة الضغط على الزعماء الأفارقة للتصويت على قرارات مناهضة لروسيا في الأمم المتحدة، ووقف كل أشكال التعاون والتجارة مع روسيا.

وبينما كان يدافع عن الحق في التجارة مع روسيا، وأن الدول الأفريقية لها سيادة، ولها الحق في الاختيار، بما في ذلك السعي لتحقيق مصالحها الوطنية، أشار رئيس السنغال إلى أن الشعوب الأفريقية كانت في وضع أصعب من البلدان الأخرى بعد الوباء، حيث خصص الاتحاد الأوروبي 33 ملياراً فقط من أصل 611 مليار يورو من المساعدات المخصصة لمكافحة تأثير الوباء، أي أقل من 5٪ لأفريقيا، ومع ذلك، لاتزال هذه الصورة الموضوعية التي تتطلب التخلي عن العقوبات أحادية الجانب، وتطبيع التجارة الروسية مع أفريقيا وغيرها.

وعلى الرغم من التفسيرات الروسية المنطقية، إلا أنهم استمروا في إثارة المشاكل والادعاءات بأن العملية الروسية الخاصة تشكّل تهديداً لانتشار الجوع في العالم، في الوقت نفسه، أُجبروا فعلياً على الاعتراف بأن أوكرانيا يمكنها الآن تصدير القمح عبر بولندا ورومانيا، أي عبر طريقين من المسارات الستة التي حددها بوتين دون أية قيود، أو أي تغيير في موقف أي شخص، حيث أكد مسؤولون في العاصمة الأوكرانية أن بإمكانهم تصدير ما يصل إلى مليوني طن من الحبوب شهرياً، خاصة أن المسافة إلى ميناء كونستانتا الروماني قصيرة جداً، ويمكن نقل القمح بعيداً عن طريق البحر.

إذاً أين تكمن المشكلة؟.. ببساطة، كل الضجة التي أثيرت حول “الحصار البحري الروسي على صادرات القمح الأوكراني” كانت فقط لاتهام موسكو بارتكاب جميع الخطايا المميتة، بمعنى أنه بذريعة “الروسوفوبيا” يمكن تصدير جميع الحبوب الأوكرانية، بالطبع ليس إلى أفريقيا، وبدلاً من ذلك، سيتم استخدام الحبوب مقابل ثمن الأسلحة الموردة بموجب عقود الإعارة والتأجير من الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تقوم أوروبا بتخزين الحبوب، وهنا لا يمكن استبعاد احتمال إعادة بيع بعضها إلى القارة الأفريقية بأسعار مضاربة.

بعبارة أخرى، وراء الخطاب الجميل ظاهرياً حول رعاية أوروبا والولايات المتحدة لشعوب العالم، هناك خطط لسرقة الحبوب الأوكرانية مقابل إمدادات الأسلحة الغربية التي لا تؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع في أوكرانيا.