ثقافةصحيفة البعث

المقهى الثقافي (1)

عرفت المدن العربية مقاهي ثقافية عريقة بعض منها لا يزال قائماً بعاداته، تزين جدرانه صور لبعض من كانوا يرتادونه من الكتاب والشعراء والفنانين والشخصيات السياسية المهمة، فقد كانت هذه المقاهي مراكز تنوير وحوار يومي بما شهدته من ملتقيات ومناقشات تدور حول بعض طاولاتها التي احتفظت لزمن طويل بأسماء أشخاص بعينهم كانوا يجلسون في الركن المحدد، يكتبون ويشربون قهوتهم أو يقرؤون صحفهم صباحا، كما شهدت تلك المقاهي في بعض من الزمان مؤتمرات لأحزاب واجتماعات لخلايا حزبية أو ثقافية. وقد قامت في دمشق بعض هذه المقاهي مثلها مثل القاهرة والإسكندرية وبغداد وبيروت وتونس، ومنها ما لا تزال موجودة تحمل أسماءها القديمة أو أسماء جديدة، ومنها ما اندثر وانتهى ولم يبق منه إلا الذكريات المدونة في بعض الأدبيات أو لا زالت محفوظة في وجدان من هم على قيد الحياة.

في دمشق، عناوين كثيرة من هذه الحلقات الاجتماعية والمنتديات وأماكن لقاءات ثقافية قد يكون بعض منها في هذه المقاهي التي عاشت لزمن، وبعضها لا زال قائماً، وإن تغير نوعية الرواد. كما يتذكر البعض أن في ذاك الركن كانت طاولة تسمى بأسماء معروفة في الوسط الثقافي ومن هؤلاء محمد الماغوط، والشاعر أحمد دحبور، والفنان أديب قدورة، وعادل أبو شنب.. والقائمة طويلة. والأكثر جدلاً الحديث عن مصطفى الحلاج، الفنان التشكيلي الراحل الذي رافقته في صحبة متقطعة في مقهى الرواق العربي الخاص بالفنانين التشكيليين بدمشق، والذي تعود عوائده لدعم نقابتهم التي تحولت إلى اتحاد للفنانين التشكيليين في سورية، هذا المقهى الكائن في العفيف يحتل مساحة واسعة مكشوفة وأسفلها كان خزان ماء عين الفيجة الذي يروي مدينة دمشق وهو مكان مسجل كأحد الأماكن الأثرية والتاريخية في محافظة دمشق، وقد حولته النقابة إلى صالة للمعارض الفنية والتشكيلية. كما شهد المقهى الندوات والمحاضرات الفنية وحوارات ونقاشات وجلسات حوار متنوعة ويحتفظ البعض بذكريات له في هذا المكان مع فاتح المدرس وفيصل عجمي وغازي الخالدي وأيمن ووضاح الدقر وأنور الرحبي، والعشرات من الأسماء التي أثرت الحياة التشكيلية في سورية.. واليوم تبدل الحال فقد غاب معظمهم ولم يبق إلا القليل من الذي يزورون المكان بأوقات متباعدة وقد أعيتهم الحياة، يجلسون بحيادية عما حولهم من رواد شباب يشربون السوائل الساخنة ويلعبون الورق أو طاولة الزهر، وقد يعلو صوت أحدهم محتجا على “بنت الكبة” تحت سحابة أراكيلهم التي تفسد هواء الوقت والذكريات.. وللحديث بقية!!

أكسم طلاع