مجلة البعث الأسبوعية

سامي كلارك يعلّي نحو جزيرة الكنز

البعث الأسبوعية- رامز حاج حسين

الكثير من الأعمال الكارتونية الشهيرة ارتبطت بوجداننا من خلال مفاتيح تعلق ولازمة موسيقية افتتاحية، ولك أن تعدد عشرات الشارات التي مازال جيل كامل تربى عليها يتذكرها بلحنها وكلماتها وتفاصيلها، يدندنها كلما سنحت له فرصة للعودة إلى أحضان الطفولة البكر وهرباً من معاناته اليومية وطقوس الروتين الحياتي.

عل عل بطل فليد هيا طر يا غريندايزر

بعزم علّي حمما أرسل إفتك بالاعداء

كافح شراً أبطل مكراً في حزم وإباء

تلك الأنشودة بوابة لكل العوالم السحرية، ما إن نسمع اللازمة الموسيقية ومقدمة العمل الشهير غريندايزر حتى نتدافع لحجز منصة المشاهدة الأكثر راحة واستقرار أمام شاشات التلفاز، هذه كانت بالنسبة لنا دعوة على مائدة السحر والخيال والمغامرة الأشهر والأمتع، ثم جاءت دعوة ثانية من نفس الروح ونفس الألق – شارة مسلسل جزيرة الكنز- فكان لنا نفس التدافع والروح والشغف.

المتقاطع المتميز بين غريندايزر وجزيرة الكنز كان الفنان العملاق الكبير سامي كلارك- الراحل عن عالمنا قبل عدة أشهر تقريباً.

كان صوته ولازال يحفر في وجداننا أخاديد من ماء مطر سماوي عذب، يسقي به شغف أرواحنا لتلك اللحظات النبيلة من طفولتنا البكر

رخامة الصوت وعذوب الجرس للغته كان فيه من السحر ما أسرنا جميعاً أطفالاً وحتى كباراً، الكل يترنم وحتى هذه اللحظات بتلك الأغنيات التي صدح بها صوت كلارك.

في الوداع الأخير انهالت شهادات رواد العصر كلهم وكل من تربى على موسيقى وصوت سامي كلارك وتفنن أصحاب الأقلام في رثاء ووداع الراحل الكبير، لم يعد لصوت هدير مركبة غريندايزر وقت صراخ دايسكي وتحوله للدوق فليد أي طعم، وربما كانت رحلة المشهد الأخير للدوق وهو يغادر نحو كوكبه فليد تحمل لنا غصة الوداع وكأن الراحل هذه المرة وللأبد هو سامي كلارك بهيئة دايسكي بطل المغامرة، سنعاود مشاهدة العمل ونعاود مشاهدة الحلقة الأخيرة لكن الجازم والواضح أننا لن نعود لنحس بزهوة بريق الأغاني ونحن نستشعر رحيل مؤديها بذلك النفس العظيم.

في الحلقة الأخيرة من سلسلة جزيرة الكنز كانت اللقطة الأخيرة من السريالية الفنية والمشهدية المسرحية العالية ما تركها عالقة في أذهان الجميع حتى هذه الأيام- أعني لقطة استدارة جون سيلفر- وصوت الراومي جيم يقول هذا هو صديقي (جون سيلفر)- واليوم ستمتزج لا ريب صورة الخاتمة بوجهي جون سيلفر وسامي كلارك بينما تصدح موسيقا الخاتمة:

(ها نحن ذا على دروب كنزنا… نسير معاً وآمالنا تسير قبلنا)

يذكر أن الراحل كلارك أتقن وتميز بالغناء الأوبرالي العربي مع القدرة العالية على الغناء أيضاً بالفرنسية والإيطالية والأرمنية واليونانية والألمانية والروسية، ونجح في المزج اللغوي في الغناء بين العربية وغيرها

في السياق نفسه ومن غيرة المحبين والمهتمين بثقافة أطفالنا فلنا أن نسأل أين الاهتمام بالقصيدة المغناة لأطفالنا، ولدينا من لدينا من قامات شعرية وموسيقية وغنائية مهمة في هذا المجال، ولماذا لا يكون لمهرجان أغنية الطفل ألق وحضور وترويج أكبر؟

ولماذا لا تتم صناعة فيديوهات وأفلام مبنية بكليتها على الأغنية السورية الموجهة للطفل بمفرداته وخيالاته وتطلعاته؟

ولماذا يشعر كل زملاء المهنة في الشعر واللحن والغناء أن عطاؤهم للخارج مثمر ومجدٍ أكثر من العمل مع الجهات المعنية والمنابر المهتمة بثقافة الطفل لدينا؟

نحن بحاجة بكل مفصل وبكل منحى لنهضة حقيقية في هذا المجال وليكون لنا بنية كاملة في صناعة الأغنية ترعاها الجهات المختصة بهذا الشأن، حينها يجد الطفل السوري نفسه وهو على مقاعد دراسته يترنم بأناشيد كتابه المدرس، وفي منزله يتغنى بأناشيد مسلسلاته الكارتونية التي صنعت خصيصاً لأجله.

وسيكون لنا وقتها شارات تشبه شارة غريندايزر وأغاني حماسية تلهب أفئدة أطفالنا لخوض غمار مغامرة الحياة الخاصة بهم.