مجلة البعث الأسبوعية

لماذا نتباهى بالترخيص للمشاريع الكبيرة ونهمل الصغيرة ؟! الدعم لمشاريع تُشغّل 57% من القوى العاملة لا يزال إعلاميا وورقيا!

البعث الأسبوعية- علي عبود

بما إن معظم اقتصادات الدول المتطورة والنامية على حد سواء تعطي الأهمية القصوى للمشاريع الصغيرة ومن بعدها المتوسطة فلماذا الأمر عندنا مختلف، بل وتتباهى الجهات الحكومية بالترخيص للمشاريع الكبيرة جدا؟

وعندما أعلنت وزارة الاقتصاد عن برنامج دعم أسعار الفائدة فإنها استثنت مشاريع صغار المنتجين من هذا الدعم خلافا لتصريحات جميع الجهات الحكومية بأنها تعطي أولوية للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر!

حتى عندما أعلن مصرف التوفير مؤخرا عن تقديم القروض للمشاريع الصغيرة،  فإنه وضع شروطا لا يمكن أن تتوفر لدى الكثير من أصحاب المشاريع المتناهية الصغ، بالإضافة إلى فرض فائدة تتجاوز مع خدماتها نسبة الـ 13 % ، في حين تُقدّم التسهيلات المغرية جدا لأصحاب المشاريع الكبيرة!

دعم ورقي

هل تريدون مثالا على اهتمام الحكومة (الورقي) ودعمها (الإعلامي) للمشاريع الصغيرة؟

تخصص الحكومة لهذه المشاريع بضعة مليارات في موازنتها العامة لا يصرف منها سوى النزر اليسير لأن وزارة المالية تتعمد التأخر بصرفها لتتمكن من تحويلها كفائض مالي لتحوله إلى السنة التالية، أو أن الحكومة تنفقها في مجالات أخرى تراها أجدى اقتصاديا!

مهما كانت الأسباب، فإن الأولوية  للمشاريع الصغيرة تقتضي أمراً حازما من رئيس الحكومة لوزارة المالية لصرفها ضمن برنامج زمني محدد مسبقا ،وهذا لم يحصل!

ومع أن وزارة الاقتصاد تروّج لبرنامج دعم أسعار الفائدة للقروض المخصصة للإنتاج وفق قائمة محددة فإن الحكومة لم تناقش ـ مجرد نقاش ـ إمكانية تشميل مشاريع صغار المنتجين في برنامج دعم أسعار الفائدة إلا في نهاية شباط الماضي ، ولا ندري إن كانت قد توصلت إلى قرار بالدعم ، ومتى؟

وإذا كانت الحكومة تتحمل عن المقترض في المشاريع المعتمدة من قبل وزارة الاقتصاد  سعر فائدة مدعوم بنحو 7 % فإن أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر يستحقون قروضا بفائدة لا تتجاوز 2% هذا إذا كانت الحكومة جادة فعلا بتشجيع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر على الإنتاج وتحسين دخل آلاف الأسر السورية من جهة، وتوفير سلع بمواصفات جيدة وأسعار في متناول غالبية المواطنين من جهة أخرى.

ويبدو إن الحكومة لم تكن بوارد تشميل المشاريع الصغيرة ببرنامج دعم الفائدة ،ربما لعدم اقتناعها بجدواها، لولا مبادرة من الرئيس التنفيذي لمصرف الوطنية للتمويل الأصغر، فهو الذي رفع لوزارة الاقتصاد مقترحات بتشميل عدد من القروض لتمويل بعض المشاريع المتناهية الصغر ضمن برنامج دعم أسعار الفائدة.

لماذا لا تسوّق؟

والملفت أن الحكومة تعرف مسبقا إن معظم قروض مصارف التمويل الأصغر تتجه للشرائح الأكثر هشاشة وفقرا بغية تأمين فرص عمل لها وزيادة دخلها ، ومع ذلك لم توجه بمنحها القروض بصفر فائدة أو بفائدة لا تتجاوز 2% ، والأفضل أن توجه الحكومة “السورية للتجارة” باستجرار سلع أصحاب مشاريع المتناهية الصغر بما يوازي قيمة القرض مع فوائده الرمزية ليتمكنوا من تسديده سريعا ودون أي صعوبات للمصارف المعنية، بل لماذا لا تسوق جميع منتجات المشاريع الصغيرة مادامت أرخص من مثيلاتها المطروحة في السوق وأعلى جودة!

ولا يقتصر الأمر على المشاريع المتناهية الصغر فقط، وإنما يشمل كل المشاريع تقريبا لأن ليس لدى وزارة الاقتصاد خطة تنفيذية لصرف الإعتمادات المرصودة لبرنامج دعم الفائدة للمنتجين فمنذ عام 2019 لم تتجاوز القيم المصروفة لدعم أسعار الفائدة سوى ملياري ليرة أي بنسبة 10 % فقط من إجمالي المبلغ المقرر من الحكومة والبالغ 20 مليار ليرة.

ولوتم التركيز على أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر لتمكنت الحكومة من صرف الـ 20 مليار مع ما يعنيه ذلك من زيادة حجم السلع المطروحة في الأسواق، وخاصة أن هذه السلع تتميز بالجودة العالية وبأسعار مناسبة .

أكثر من ذلك .. نستغرب أن لا تقوم الحكومة بتخصيص عدة جلسات تناقش فيها الخطط والآليات الفعالة للتوسع بالصناعات الصغيرة والمتناهية الصغرى وأيضا المتوسطة بما من شأنه توفير السلع بكميات كافية بدلا من استيرادها.

ما ترجمة كلام وزير الصناعة؟

لقد لفتنا ما قاله وزير الصناعة زياد صباغ بتاريخ 27/5/2022 (أن العمل مستمر لتقديم الدعم اللازم لمشروع “منتجين” لتكون مشاريعهم في المستقبل مشاريع صغيرة ومتوسطة)، لكنه لم يكشف عن مجالات أو آليات هذا الدعم، فمنذ قيام المعرض الأول لـ “منتجين” لم نسمع سوى الكلام والتصريحات دون أي فعل!

وإذا كان وزير الصناعة مقتنعا فعلا بأن “ دعم المنتجين والحرفيين أولوية في سبيل تعزيز الإنتاج لمواجهة كل العقوبات والحصار الذي تعاني منه سورية” فإن السؤال : ما ترجمة هذا الكلام ؟

إن ما يحتاجه أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر هو الفعل وليس الكلام والوعود الكبيرة في المناسبات والاجتماعات ،كما يحتاج أصحاب الأفكار المبدعة إلى دعم أكبر لترجمتها إلى مشاريع إنتاجية.

بل هي الحل لأزمات الاقتصاد

ولسنا مع من  يرى أن المشروعات الصغيرة ليست حاملا أساسيا للاقتصاد، فقد أقام رجال المال والأعمال الكثير من المشاريع الكبيرة على مدى العقود الثلاثة الماضية فهل كانت حاملة للاقتصاد؟

نعم، يمكن للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أن تكون فعالة بتحسين واقع الاقتصاد السوري، ورفع الناتج المحلي الإجمالي، والأهم إنها تزيد  حصة شريحة كبيرة من السوريين من الناتج المحلي بدلا من أن يستحوذ على الجزء الأكبر منه كبار رجال  الأعمال وحيتان المال، لكن هذا الأمر كي يتحقق على الحكومة أن تعطي الأولوية للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر باعتبارها الوسيلة الأكثر فعالية لتحسين دخل ملايين السوريين ، دون أن يعني هذا إهمال المشاريع الكبيرة.

وعندما يكشف مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة أن هذه المشروعات تشغّل 57 بالمئة من القوى العاملة في سورية وتسهم بـ41 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فهذا يؤكد أن معظم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها سورية يمكن حلها عندما تقتنع الحكومة بأن خططها يجب أن تمنح الأولوية فيها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة قبل الترويج للمشاريع الكبيرة التي يستفيد منها على الأكثر قلة من المتنفذين!

صحيح أن كل اقتصاد يحتاج إلى المشاريع الضخمة، ولكن ليس إلى حد التباهي بإقامتها، وإهمال قطاع المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تستحوذ على57 % من القوى العاملة، ويمكن أن ترتفع النسبة أكثر في حال دعمت الحكومة فوائد قروض أصحاب هذه المشاريع وساهمت بتسويق منتجاتها داخل سورية وخارجها.

من يدعمها؟ 

وإذا استثنينا التصريحات الإعلامية والوعود المعسولة من الجهات الحكومية المعنية على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها، فإن الحكومة لم تضع حتى الآن إستراتيجية لدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، بل لا تزال غير مقتنعة بجدواها وبأنها الحل الأسرع والفعال لتصنيع بدائل المستوردات بما يكفي السوق المحلية مع فائض للتصدير، والدليل استثناء وزارة الاقتصاد لهذه المشاريع من برنامج دعم الفائدة وحصره بالتجار والصناعيين .. فلماذا؟

ويشكو أصحاب المشاريع الصغيرة من غياب الدعم الفعلي ليس على مستوى القروض المصرفية فقط، بل على مستوى التسويق والترويج لمنتجاتهم، وهذا دليل على غياب الرؤية الاقتصادية التي تحدد التوجهات الاستثمارية للحكومة خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل.

الخلاصة

يمكن للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر أن تلغي الآثار الكارثية للحصار والعقوبات في حال تلقيها الدعم اللازم  فهي مؤهلة لإنتاج الكثير من السلع التي يحتاجها السوريون بدلا من استيرادها ،بل بإمكانها أن تدر دخلا متناميا من القطع الأجنبي بدلا من استنزاف المتوفر منه على مستوردات يمكن تصنيعها محليا ، والسؤال المطروح منذ سنوات : متى ستبدأ الحكومة بتبني آليات تتيح الاكتفاء الذاتي من السلع والخدمات الأساسية لكل أسرة سورية؟