ثقافةصحيفة البعث

مجمع اللغة العربية يحتفل باستقبال الأستاذ الدكتور يوسف بركات عضواً عاملاً جديداً

لعل من أهم مقومات نجاح تدريس العلوم الطبية باللغة الأم هو القيام بحركة ترجمة مستمرة لأمهات الكتب الأجنبية العلمية المعاصرة التي تتجدد طبعاتها باستمرار إلى اللغة العربية، وهذا ما أسهم به الأستاذ الدكتور يوسف بركات الذي ترجم كتباً عدة من اللغة الانكليزية إلى لغته العربية في ميدان تخصصه في الطب البشري لمصلحة المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق، ووفقاً لهذا تم انتخابة كعضو عامل في مجمع اللغة العربية وأصدر السيد الرئيس بشار الأسد مرسوما جمهوريا باعتماد انتخابه، وأقيم له في الأمس الجلسة العلنية لمجلس المجمع لاستقباله كعضو جديد فيه.

اللغة الطبية بالعربية

بدأ رئيس مجمع اللغة العربية الأستاذ الدكتور محمود السيد الجلسة العلنية بالتعريف عن العضو الجديد، مشيراً إلى أن الدكتور بركات نال الإجازة في الطب البشري من كلية الطب بجامعة دمشق عام 1990، والماجستير في الكيمياء الحيوية الطبية من كلية الطب بجامعة القاهرة والدكتوراه من الجامعة ذاتها. وقد مارس التدريس الجامعي في كلية الطب بجامعة دمشق، وفي الجامعة السورية الخاصة، وجامعة القلمون وجامعة القصيم في السعودية، وعمل نائب عميد للشؤون العليمة في جامعتي دمشق والسورية الخاصة، وعمل أيضاً نائب عميد للشؤون الإدارية في الجامعة السورية الخاصة.

ولفت الدكتور السيد إلى أن المدرس لا يدرّس بمادته فقط وإنما بشخصيته وتعامله مع طلبته وما يضربه لهم من مثل أعلى وقدوة حسنة وكان د.يوسف هذه القدوة. وأضاف: إن الأمم الحية كبيرها وصغيرها اعتمدت لغتها الأم في شؤون حياتها كافة، ولم تكن للغاتها عراقة لغتنا العربية في مسيرة الحضارة البشرية، لقد أدت التجربة السورية في تعليم الطب باللغة الأم في الجامعات السورية عبر قرن كامل إلى نجاحها، وألق خريجيها على الصعيد العالمي، كما أشارت بعض البحوث إلى ان الطالب الذي يتعلم بلغته الأم يستوعب المعلومات العلمية ويتمثلها تمثلاً أفضل مما لو تعلمها بلغة أخرى، وطالما شكا بعض المدرسين الذين يدرسون المواد الصحية في الجامعات التي تدرس بالأجنبية من ضعف المستوى العلمي لطلبتهم.

ونبه رئيس مجمع اللغة العربية إلى أن الدعوة إلى تدريس العلوم الصحية باللغة العربية لا يعني التخلي عن إتقان اللغة الطبية باللغة الأجنبية لأن ذلك مناف لطبيعة عصر العلم والتقانة، بيد أن الجامعات العربية عندما تستخدم اللغة الأجنبية في التعليم فإن ذلك يؤدي إلى عزل اللغة العربية عن العلم والتجديد والإبداع فينظر إليها أبناؤها على أنها لغة جامدة ومتخلفة، ويزداد استبعادهم عنها في مجال العلم.

وعبر السيد عن الفخر بما قدمته سورية إلى لغتها الأم من خدمات، فما إن تحررت من الاستبداد العثماني الذي حارب اللغة العربية حتى أعادت للغتها العربية مكانتها، ودرست الطب والحقوق بها، وأنشأت المجمع العلمي العربي الذي يعد أبا المجامع اللغيوية كلها في الوطن العربي ثم راحت تدرس جميع مواد المعرفة في الجامعة السورية بها، وبعد أن حصلت على استقلالها تبوأت العربية المنزلة الجديرة بها في مختلف مناحي الحياة، وأصدرت قانوناً لحمايتها، وصارت مضرب المثل في حفاظها على اللغة العربية، فإذا ذكرت اللغة العربية الفصيحة في التدريس الجامعي ذكرت سورية، وإذا ذكر نجاح التعريب ذكرت سورية.

سيرة

وتحدث أمين المجمع، الأستاذ الدكتور محمد مكي الحسني، عن سيرة العضو الجديد وإنجازاته، فقد حصل د. بركات على جائزة عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، عن ترجمة كتاب “مبادئ تغذية الإنسان”، كما حصل على جائزة أفضل عضو هيئة تدريسية من جامعة القلمون الخاصة، وكان في المدة من 2015 إلى 2017 المنسق العام للجنة المناهج التي وضعت الخطة القائمةعلى تكامل التعليم الطبي لتنفيذها في كليات الطب الحكومية في سورية، وخطة الدراسات العليا التخصصية في كليات الطب الحكومية، والنظام الجديد لشهادة الدكتوراه في كلية الطب بجامعة دمشق.

قوة القانون

وقدم د. بركات سيرة وافية عن سلفه عضو مجمع الراحل الأستاذ زهير البابا الذي كانت له إسهاماته في تأليف كتب في ميداني الطب والصيدلة وتحقيق بعضها الآخر. وقال إن وعاء الحضارة وحاضن المستقبل لأية أمة يتمثلان بالضرورة في لغتها، ولغتنا العربية، وهي من أقدم اللغات صانت نفسها تاريخياً، لكننا قصرنا في تطويرها في الزمن المعاصر. فقد أظهرت مقدرتها على استيعاب علوم العصر ومستجداته عندما كان بعضنا مستعداً لبذل الوقت والجهد الكافيين من أجل خدمتها، إنها بالقدر الكافي من المرونة والمطواعية والتعددية وقابلية الاشتقاق  لتساعد الباحث منا على نقل المعارف التي تكفل تطور الأمة لتحقق إسهامها في البناء الحضاري ولتضع نفسها في موقع يضمن لها القوة.

وتابع د. بركات: لم تكن لغتنا، وحدتنا وأرضنا، مهددة أكثر مما هي عليه الآن مع اختلاف أصناف الاستهداف والصراعات، وبالتالي وأسوق هنا مثالين اثنين على أخطار أحدقت وتحدق بلغتنا في العصر الحديث: *تأثر اللغة العربية سلباً بما فرضته أشكال الاستعمار، واستخدام لغات أخرى وتعزيز اللهجات المحلية والمناطقية لتمزيق صفوف المجتمع ولإفقاده أهم عناصر القوة الضرورية لاستدامة انسجامه ألا وهي اللغة.

وحذر بركات من أن التهافت على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أنتج الكثير من السلبيات، وكانت إحداها تعويم لهجة مختلطة جديدة تجمع بشكل هجين بين اللهجات المحلية والأرقام والحروف الأجنبية وتنتشر بين مستخدمي وسائل التواصل هذه.. لهذا نحن بحاجة لقوة من نوع ما، مثل قوة القانون للوصول إلى لغة عربية سليمة كخيار بديل مناهض للخيار اليسير المتاح والمنتشر بسرعة البرق، وعلى سبيل المثال: ربط تعليم اللغة العربية والكتب المدرسية بالمؤسسات اللغوية، وفرض إلقاء المحاضرات وحواراتها في المدارس والجامعات باللغة الفصحى، وزيادة المحتوى الرقمي المكتوب باللغة العربية الفصحى على الشابكة وغزو وسائل التواصل باكبر كمية من المعلومات المفيدة والمهمة للناس على أن تكون مكتوبة باللغة الفصحى المبسطة.

وختم الدكتور بركات مؤكدداً على أن ترجمة المعارف تؤدي في النهاية إلى توطنيها باللغة العربية فيصبح ممكناً التفكير بهذه اللغة دون سواها بقصد التوسع في المعرفة، وبذلك يمكن خدمة اللغة توسيعها من الداخل لا عبر الاستيراد من اللغات الأخرى ورغم الكثير من المؤتمرات والندوات والمقالات حول أهمية تعريب العلوم وتعليمها باللغة العربية لانزال في موضعنا نعيد مناقشة المشكلات ذاتها ونطرح التوصيات ذاتها ونوحي دوماً بما يشبه الإقرار بعجزنا، ولا أدل على هذا العجز من نظرة نلقيها على واقع الترجمة الرديء في الوطن العربي.

جُمان بركات