ثقافةصحيفة البعث

مقام الراست وترميم الذات المجتمعية موسيقياً

حلب – غالية خوجة

للموسيقا لغتها المتداخلة مع لغات الروح القديمة والحديثة، وبكافة الأبجديات النفسية وعلومها، وبمختلف المفاهيم العقلية الاجتماعية، ولذلك، تنال الموسيقا وعبْر العصور اهتماماً يعكسه الجميع، سواء أولئك الذين عاشوا بين الكهوف والمغارات، أو الأراضي الزراعية وعبروا بمراكبهم المحيطات، أو عاشوا بين القصور والخيام والحضارات.

سلسلة تثقيف موسيقي شهرية

وحلب الشهباء مدينة الطرب والأدب، تدرك كيف تعالج الذات الفردية والذات المجتمعية بالموسيقا والأناشيد والأغاني، ولذلك، تجدها تبتكر مبادراتها لتستعيد الروح مقاماتها مع المقامات الشرقية المعزوفة والمغناة ضمن سلسلة ثقافية فكرية فنية شهرية تقدمها مديرية الثقافة، بالتعاون مع المايسترو عبد الحليم حريري- نقيب الفنانين بحلب، في صالة تشرين بملامحها الفنية الثقافية، وهي تستقبل الزائر بمجسمين أحدهما بورتريه للفنان التشكيلي فتحي محمد ومركزه التشكيلي كائن في هذا المكان، وبورتريه آخر للشاعر المتنبي لأنه رمز الشعر، كما يتفاعل الزائر مع المقتنيات النحتية والمجسّمات واللوحات الفنية المعلقة على الدرج الخارجي أيضاً، مروراً بالمدخل والغرف، وجميعها تحتفي بأعمال فنية مختلفة للعديد من الفنانين التشكيليين.

القدود والموشحات

وضمن هذا البعد الثقافي الفني، وبينما تحيط بالحضور صور معرض من الذاكرة الفنية في مدينة حلب، صدحت الموسيقا في جلسة مقام “الراست”، بقيادة المايسترو عبد الحليم حريري وبمشاركة الفنان نهاد سلطان، وعزفت الألحان انتشارها في جلسة تناغمية جمعت بين الحضور المتنوع بكافة فئاته، بينما كان الإصغاء والتفاعل الراقي شخصية خفية للألحان الأصيلة التي جمعها ونثرها مقام الراست، ومنها ألحان كلّ من: فيلمون وهبة، محمد فوزي، محمد عبد الوهاب.

أيضاً، تداخلت الجلسة بأصوات طربية كانت حاضرة معنا بدأها الفنان أحمد خيري، ووصلت للفنان عمر سرميني، ثم عبرتْ إلى الفنان لؤي نصر، وعادت للفنان نهاد سلطان، وجميعها غنت “الراست”، ومن تلك الأغاني “على جسر اللوزية” للمطربة فيروز، و”إن كنت ناسي أفكرك” للمطربة هدى سلطان، و”أنساك” لأم كلثوم.

الملامح تزهر مع الإيقاعات

وبكل تأكيد، حضرت القدود الحلبية والموشحات والقصائد والأناشيد والأغاني والألحان التي تبدأ من علامة “دو” لتمرّ إلى “ره، مي نصف بيمول، فا، صول، لا، سي نصف بيمول، دو”، ليختتم عبد الحليم حريري الجلسة بمعزوفة “أروح لمين” لأم كلثوم، ثم ليبدو التأثير الموسيقي على النفوس وهي تتفتّح مع ملامح الحاضرين بإيقاعات موروثهم الحلبي والعربي اللامادي، والتي لم تفارقهم وهم يغادرون الصالة التي ظلت تردّد معهم “آمان آماااان آمان، يا لا لا لي، آمااان، يا ليلي آآآآآه”.