أخبارصحيفة البعث

العقوبات على موسكو تدمّر اقتصاد الغرب

تقرير إخباري:

تشهد اقتصادات الدول الغربية ارتفاعاً غير مسبوق في التضخم، مدفوعاً بردّ فعل معاكس للعقوبات الغربية على موسكو على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، هذه العقوبات التي كان يُفترض بها أن تحاصر روسيا فإذا بها تتحوّل وبالاً على من فرضها، ففي ألمانيا تُطلق التحذيرات عن احتمال حدوث انفجار اجتماعي، وفي أمريكا بلغ التضخم حدّاً لم يسبق أن وصل إليه منذ ثلاثين عاماً، أما بريطانيا فتشهد احتجاجاتٍ على تردّي الأوضاع المعيشية، وغيرها الكثير من الدول الغربية التي تطلق التحذيرات وتخفّض الآمال بانتعاش اقتصادي كان قريباً، وخصوصاً بعد تأثيرات الإغلاق السلبية على خلفية جائحة كورونا التي أدّت إلى ركود اقتصادي خطير في العالم.

وسعت واشنطن وحلفاؤها الغربيون، مع بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، إلى خنق الاقتصاد الروسي والتضييق على موارده المالية للضغط على روسيا، والغاز والنفط الروسيان كانا في مقدّمة المواد المستهدفة بالحظر، ولكن “حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر” ولم يكن في حسبان الغرب أن عقوباتهم ستجرّ عليهم مخاطر اقتصادية ليس أقلها أنها ستدفع بلدانهم للعودة إلى استخدام الفحم في توليد الطاقة الكهربائية عبر إعادة فتح محطات تعمل بالفحم مثلما حدث مع دول أوروبية على رأسها ألمانيا وفرنسا والنمسا وهولندا، وقريباً إيطاليا.

الموضوع لم يقف هنا، حيث أعلنت شركة الإحصاء “Eurostat” أنّ التضخم في أوروبا بلغ ذروته للمرة الأولى، في حزيران، منذ إدخال العملة “اليورو” الموحّدة قبل 20 عاماً، بينما أفادت صحيفة “بيلد” الألمانية، بأنّ نصف سكان ألمانيا يخشى الصقيع بسبب انخفاض إمدادات الغاز الروسي والتضخم في الاتحاد الأوروبي.

بدوره أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن قلقه إزاء ارتفاع أسعار الطاقة، وأشار إلى التحديات التي قد تظهر أمام المواطنين الألمان في حال حدوث ارتفاع مفاجئ في فواتير الطاقة، ورأى أنّ هذه التحديات قد تقود إلى “انفجار اجتماعي”.

أما وزير اقتصاده روبرت هابيك فقال: إنّ “الغاز الروسي قد ينفد في غضون أسبوع تقريباً”، محذّراً من خطر حدوث اضطرابات وانقطاعات متتالية في عمل مرافق الطاقة، وفي مجال الخدمات العامة.

هذه  المخاوف عزّزها تقرير لمكتب الإحصاء الفيدرالي في ألمانيا أظهر أنّ البلاد سجّلت، في أيار الماضي، عجزاً في التجارة الخارجية بلغ مليار يورو، وذلك لأول مرة منذ عام 1991.

في المقابل، سجّل التضخّم في بريطانيا 9.1% بين نيسان وأيار، في أعلى مستوى له خلال 30 عاماً بعد أن كان أعلى رقم وصل إليه تمّ تسجيله في آذار 1992، بينما أظهر استطلاع للرأي أنّ 23% من البريطانيين يواجهون صعوبة في دفع فواتيرهم، بينما سيكافح 43% منهم لدفع فواتير الطاقة، الأمر الذي أغضب البريطانيين حيث أغلق متظاهرون الطرق السريعة في مختلف المناطق البريطانية احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود، بينما نفّذ عدد من المحامين البريطانيين، إضرابهم الثاني احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية.

في سياقٍ متصل، كشف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” عن عدد المشكلات التي بات البريطانيون يواجهونها، ولم تشهدها بلادهم منذ عام 1956، بسبب الارتفاع الشديد في أسعار الوقود والتضخّم وانخفاض دخل الأسرة.

ووفقاً للصحيفة، فإنّ أسعار المواد الأساسية في بريطانيا ترتفع الآن بأسرع وتيرة لم تشهدها خلال الثلاثين عاماً الماضية، في حين أن القفزة في تكلفة المعيشة مقلقة بشكل خاص لكبار السن وغيرهم من المواطنين ذوي الدخل المنخفض أو المحدود.

وأثناء رصد الوضع الاقتصادي في دولتين تعدّان من أهم دول أوروبا اقتصادياً، لابد من التعريج على المحرّك الرئيسي للأحداث أي واشنطن، فالاقتصاد الأمريكي ليس في أحسن الأحوال والتضخم بلغ مستوى قياسياً وأسعار الطاقة مرتفعة ووصل متوسط سعر البنزين في ولاية كاليفورنيا إلى 6.25 دولارات، مقارنة بنحو 3 دولارات قبل نحو عام، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي جو بايدن، للتوسل إلى أصحاب محطات الوقود بخفض أسعار البنزين، في تغريدة على تويتر يوم السبت دفعت جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون، إلى انتقاد بايدن، وغرّد “بيزوس” قائلاً: “معدل التضخم مشكلة في غاية الأهمية بالنسبة للبيت الأبيض كي يواصل الإدلاء بتصريحات بهذا الشكل”، متهماً إياه بالعجز عن فهم ديناميات الاقتصاد.

ويثير الارتفاع الكبير في أسعار السلع وخاصة الوقود استياء الأميركيين، وقد يؤدّي ذلك إلى نتائج سياسية تتمثل في خسارة الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن في انتخابات التجديد النصفي الخاصة بالكونغرس في أواخر هذا العام.

وفي النهاية، ممارسة أكبر سرقة موصوفة يشهدها التاريخ من خلال مصادرة الأصول الروسية وفرض حصار شمل حتى التاريخ والثقافة والفنون وكل ما يمثل روسيا “في حدود دول الغرب وخارجها بدفع من واشنطن وحلفائها” حتى وصل الأمر إلى قائمة الأطباق التي تحمل أسماء روسية في المطاعم، لم تكن سوى انتحار اقتصادي كما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب سابق، تدفع شعوب العالم أجمع فاتورته، وخصوصاً بالتزامن مع قرار واشنطن فرض رسوم على الأسمدة الروسية، الأمر الذي حذر منه السفير الروسي لدى واشنطن بالقول: إنه سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في وقت تظهر فيه تحذيرات أممية من أزمة غذاء عالمية تلوح في الأفق، حسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي قال: إنّ هناك “خطراً حقيقياً” فيما يتعلق بحدوث مجاعات هذا العام، ودعا إلى اتخاذ خطوات عملية لتحقيق الاستقرار في أسواق الغذاء وتقليل التقلبات في أسعار السلع، ليتقاطع كلامه مع ما قاله المدير التنفيذي للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا بيتر ساندز: إنّ “الآثار غير المباشرة لنقص الغذاء تعني أنّ كثراً سيموتون ليس من الجوع فحسب، بل أيضاً نتيجة ضعف دفاعاتهم المناعية ضد الأمراض المعدية بسبب سوء التغذية”.

فهل تستمر الدول الغربية في الانقياد للإرادة الأمريكية في فرض العقوبات على الدول لمجرّد الاختلاف السياسي معها دون النظر إلى ما تخلفه هذه العقوبات من موت يودي بحياة الكثيرين، وخصوصاً أن العقوبات هذه المرة أصبحت تهدّد نمط الحياة الرأسمالي للغرب وتدفع باقتصاداتها إلى حافة الهاوية؟..

 

إبراهيم مرهج