اقتصادصحيفة البعث

السدود ملأى.. والأرض عطشى!!

علي عبود

ترى بماذا يشعر المزارع في الساحل الذي يرى بساتينه عطشى والسدود ملأى بالمياه؟ ألا يحق للفلاح أن يسأل: إن لم تكن هذه المياه لري أراضينا فلمن تُحجز؟

لقد ناشد المزارعون منذ مطلع حزيران الماضي الجهات المعنية التدخل السريع لإرواء الأراضي والمحاصيل الزراعية بشكل فوري بعد يباس مساحات كبيرة منها بفعل الجفاف لعدم فتح دورات ري جديدة، ولكن ما من أحد استجاب ولو بوعد معسول!.

ولو لم يقم رئيس الحكومة على رأس وفد وزاري بجولة على المناطق المتضررة من العاصفة المطرية لما اكتشفنا أن الأراضي الزراعية بحاجة ماسة إلى مياه الري!

بل إن الوفد الحكومي لم يكن ليتخذ مبادرة الكشف عن الأضرار لتعويض أصحابها لولا توجيه السيد الرئيس بشار الأسد المباشر والسريع تجاوباً مع استغاثة آلاف الفلاحين المنكوبين.

لقد كررت الجهات المسؤولة في وزارة الزراعة على مدى الأشهر الماضية معزوفة “شح الأمطار”، وخروج مساحة واسعة من الإنتاج بفعل الجفاف!

ولا نشك بأن هذه “المعزوفة” صحيحة في المناطق المزروعة بالقمح البعلي في المحافظات قليلة الأمطار، لكن الأمر مختلف تماماً في الساحل والغاب، فالمياه دائماً غزيرة تكفي لتعبئة السدود، و”تغذية” البحر بمليارات الأمتار المكعبة!.

وها هو  وزير الموارد المائية خلافاً لتصريحات مسؤولي وزارة الزراعة يؤكد “أن الهطولات المطرية هذا العام كانت جيدة، ومعظم السدود امتلأت، ومنها سدا 16 تشرين وبللوران”.. حسناً، إذا كانت المياه وفيرة فلماذا تُحجب عن المزارعين؟!

لا يمكن لوزارة “الري” أن تضخ المياه من السدود عبر شبكات الري جزافاً أي دون برنامج زمني محدد، وهذا الأمر ليس من مسؤوليتها، بل من مسؤولية وزارة الزراعة والتنظيم الفلاحي!

وعندما يُعلن وزير الري أنه “سيتم العمل والتنسيق بين الجهات المعنية لفتح دورات ري للأراضي الزراعية في محافظة اللاذقية ضمن مواعيد محددة حسب الاحتياجات الفعلية”، فهذا يؤكد أن “الجهات المعنية” مقصرة، ولولا الجولة الميدانية لرئيس الحكومة لما اتخذ القرار بإطلاق مياه السدود الملأى لري البساتين العطشى!.

وبما أن جولة رئيس الحكومة كانت لتفقّد أضرار العاصفة المطرية فإننا نتساءل: لماذا لم تخطط وزارة الري منذ عقود لإقامة مشاريع لدرء السيول في المناطق المعرّضة للأمطار الغزيرة والفيضانات في بعض أشهر الشتاء كالساحل والغاب لاستخدامها لاحقاً لري الأراضي العطشى؟.. قد يبدو هذا الطرح غريباً للوهلة الأولى، إذ كيف يمكن الاستفادة من مثل هذه المياه؟.

نشير إلى أن عدداً من البلدان تستفيد من مياه السيول بطرق مختلفة كتخزينها في بحيرات صغيرة كلفتها  قليلة، ويمكن إنجازها بسرعة بعد اختيار أماكنها، ونكون بذلك قد حققنا هدفين في آن معاً: الأول التخفيف من حدة وأضرار السيول والفيضانات من خلال توجيهها إلى البحيرات الصغيرة، وبالتالي الإقلال ما أمكن من الأضرار التي تلحق بالمحاصيل الزراعية، والثاني استخدام المياه المخزنة في الأراضي العطشى وقت الحاجة، وبخاصة الأراضي الواقعة قرب خط الفيضانات.

وبما أننا نشكو من قلة الأمطار، لماذا لا تخطط وزارة الري أيضاً لاستثمار كل قطرة منها، والتي لا يقل حجمها عن 40 مليون متر مكعب سنوياً بإقامة بحيرات صغيرة قرب الأراضي المزروعة تُوجّه إليها الأمطار لاستخدامها في الصيف، علماً أن بعض التجمعات الريفية تتبع هذا الأسلوب منذ ستينيات القرن الماضي لتأمين مياه الشرب والأغراض الأخرى في فصل الصيف!.

الخلاصة: من يتذكر اليوم إطلاق مشروع تجميع مياه الأمطار في الساحل السوري مع بدايات تسعينيات القرن الماضي لمد أنبوب يزود دمشق بمياه الشرب، بل من يتذكر مشروع تحلية مياه البحر، كحلّين فعّالين لندرة الأمطار ومواجهة الجفاف، وغيرها من المشاريع الحيوية التي أصبحت من ذكريات الزمن الغابر؟!