زواياصحيفة البعث

وريث الطورانية الأتاتوركية

علي اليوسف 

لطالما كان الشمال السوري يشكل الحدود الطبيعية للوطن العربي، وهو ما أكدته رسائل الشريف حسين إلى السير مكماهون عام 1915 التي حدد فيها حدود الوطن العربي من مرسين إلى نقطة في أعالي رأس خليج إسكندرون على البحر المتوسط الذي تم سلخه عن الوطن الأم سوريه في عام 1939 بعد تآمر تركي فرنسي.

هذا التآمر لم يكن وليد اللحظة، بل كان تتويجاً لجميع المخططات الاستعمارية التي كانت تركيا طرفاً فيها، فقد أقدمت تركيا الأتاتوركيه – قبل ذلك التاريخ –  على توقيع عدد من الإتفاقيات مع الدول الغربية الاستعمارية (1919 اتفاقية أنقرة الأولى، 1920 اتفاقية سيفر 1921، اتفاقية أنقرة الثانية، إتفاقية لوزان تموز 1923)، التي كرست قضم واحتلال تركيا للأقاليم السورية الشمالية وقرى جديدة، ورسمت بذلك ما يسمى حدود الدولة التركية على حساب الجغرافيا السورية بالاتفاق مع الدول الغربية لتستكمل في عام 1939 مشروعها الطوراني باغتصاب وسلخ لواء اسكندرون.

واليوم يستكمل سليل العثمانية رجب أردوغان مشروع أطماع أجداده القدماء بالتآمر والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على قضم واحتلال ريف حلب الشمالي، الذي كان وما زال حلم العثمانيين في ضمه إلى باقي مدن وقرى الأقاليم الشمالية لسورية كما فعل أتاتورك قبله عام 1937 بالتغيير الديمغرافي في لواء اسكندرون، ثم تزوير الانتخابات عام 1938 في اللواء بالتآمر مع الاحتلال الفرنسي، وعصبة الأمم المتحدة آنذاك التي أشرفت على الانتخابات المزورة.

لكن لم يخطر ببال وريث “الطورانية الأتاتوركية” أن كل استعراضاته، وعملياته العسكرية لن تحقق أياً من أطماعه ما دامت الدولة السورية وحلفاؤها مصرون على تحرير كل شبر من الأراضي المحتلة. وكما فشلت عمليات ما سمّي “درع الفرات” آب 2016، و”غصن الزيتون” كانون الثاني 2018، و”نبع السلام” تشرين الأول 2019، وأخيراً “درع الربيع” شباط 2020، فإن أي مغامرات جديدة محكوم عليها بالفشل، وما يعزز هذه الرؤية هو كسر الجيش العربي السوري والقوات الحليفة قواعد الاشتباك، والتحرك باتجاه تل رفعت ومنبج، ومنع القوات التركية من التقدم في منطقة يعتبرها النظام التركي استراتيجية جداً بالنسبة إليه، الأمر الذي أبقى المناطق التي احتلتها تركيا كالجزر المنفصلة عن بعضها البعض، ومنع إقامة شريط محتل متكامل ومتصل.

منذ العام 2011 تكشفت سياسات النظام التركي في الحفاظ على النهج العثماني من خلال التلاعب بالمفاهيم والمصطلحات السياسية، والتي امتدت اليوم بشكل فاضح إلى الجغرافيا السورية، لكن الدولة السورية أدركت مبكراً ما يضمره النظام التركي، خاصةً أنها، أي سورية، كانت إحدى ضحايا إحتلال أجداده، وهو الذي عبر غير مرة عن أطماعه الحقيقية في سورية، وعن أحلامه الرامية إلى اقتطاع مساحات واسعة منها. ولم يكتف النظام التركي بالتوغلات العسكرية، وبشن الهجمات على الأراضي السورية، بل احتضن الجماعات الإرهابية منذ بداية الحرب على سورية، وعمل على تدريبها وتسليحها، ناهيك عن سعيه منذ الأيام الأولى إلى دفع مئات الآلاف من السوريين إلى النزوح عن أراضيهم، وابتزاز العالم كله بموضوع اللاجئين.

اليوم، ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، وما نتج عنها من توترات واختلالات في المسرح الدولي، وتحالف أميركي – غربي في وجه موسكو، عاد أردوغان، كعادته، ليستغل الفرصة وطرح خطته في وجه العالم، مستغلاً حاجة الغرب إليه كقوة إقليمية يمكنها الضغط على موسكو، والمشاركة في حصارها ومواجهتها، ومستغلاً هذه الورقة داخلياً في نفس الوقت لتعزيز حضوره مجدداً كرئيس لا غنى عنه، لكن، ومع اقتراب موعد الانتخابات، هل ستكون الضربة القاضية له ولمستقبله السياسي؟