دراساتصحيفة البعث

الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان….الولايات المتحدة أنموذجاً

سمر سامي السمارة

على الرغم من أن الإدارة الأمريكية ليست في وضع يسمح لها بإلقاء المواعظ على الصين والدول الأخرى حول مزايا حقوق الإنسان، إلا أنها لم تتوان، مرة أخرى، عن ممارسة تمثيليتها السياسية في الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك من خلال تقديم المزيد من المعلومات المضللة التي لا تزال تحكم المشهد السياسي الأمريكي، وهي المسؤولة عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء في جميع أنحاء العالم باسم الحرية والديمقراطية، وهذا ما توثقه التقارير التي لا حصر لها عن أعداد المدنيين الذين لقوا حتفهم بسبب الحروب التي شنتها الولايات المتحدة بعد 11 أيلول، في سياق تمثيلية “الحرب على الإرهاب” في العراق وأفغانستان وسورية.

ومع ذلك، لم تمنع الحروب الهائلة، التي أودت بحياة الملايين من البشر، مسؤولي الحكومة الأمريكية من فبركة ونشر معلومات مضللة في الأمم المتحدة، حتى أن المشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان في أمريكا أجبرت المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان على الرد بهذه الكلمات: “الولايات المتحدة خبيرة حقيقية في إطلاق حملات التضليل، فالولايات المتحدة معتادة على استخدام آلة الدعاية للتأثير على الرأي العام وهيمنتها على السرد لتشويه الحقائق والتستر على أعمال العنف الفظيعة التي تقوم بها، والتهرب من المساءلة”.

بعبارة أخرى، تستمر الولايات المتحدة، بلعب دور مؤذ في العالم مع الإفلات من العقاب وغياب المساءلة، ففي أعقاب الصراع بين روسيا وأوكرانيا، على سبيل المثال، يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه جعل الولايات المتحدة مهيمنة بالفعل في تجارة الأسلحة العالمية، وأكبر مورد للأسلحة إلى أوروبا الشرقية. يأتي هذا على الرغم من الانتقادات المتزايدة والمخاوف بين الدول الأخرى من أن تؤدي هذه السياسة إلى إطالة الأزمة الإنسانية في أوكرانيا، الأمر الذي سيفتح الأبواب أمام الإدارة الأمريكية – التي نصبت نفسها للقيام بدور القيم على حقوق الإنسان – لمزيد من التدخلات العسكرية والأزمات الإنسانية في المستقبل القريب، ما يؤدي إلى عدم الاستقرار وإراقة الدماء في كل مكان تقريباً. وما هو واضح هو أن الأحادية الأمريكية، والحرب الاقتصادية، والحروب المختارة، لم تكن أبداً هي الحل لمشاكل العالم الجيوسياسية التي لا تنتهي أبداً.

لقد أصدر العديد من المقررين الخاصين للأمم المتحدة عدة تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، حيث تسببت سياسة واشنطن – تلفيق ونشر معلومات مضللة حول وضع حقوق الإنسان، بالإضافة إلى رفضها التعاون مع الأمم المتحدة في قضايا من بينها عدم المساواة بين الدول-  بترك وضع حقوق الانسان دون معالجة، ويرسل رسالة ضارة إلى مرتكبي المخالفات الآخرين مفادها أنه، مثلهم مثل الولايات المتحدة، يمكنهم تجنب التدقيق الروتيني للأمم المتحدة.

يقول مراقبون أنه من غير المتوقع أن تحقق الإدارة الأمريكية توازناً مثالياً في مجال تركيزها على حقوق الإنسان، لكن من العدل أن نتوقع من مندوبيها ألا يرفضوا مثل هذه الانتهاكات في الأمم المتحدة.

مؤخراً سجلت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب المزيد من الانتهاكات في الولايات المتحدة، بما في ذلك القمع العنصري، والانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، ووحشية الشرطة، والفشل في إغلاق مراكز احتجاز المهاجرين السرية على طول الحدود الأمريكية المكسيكية.

وفي ضوء ذلك، لا يمكن السماح للولايات المتحدة بلعب دور قيادي في قضية حقوق الإنسان، فقد انسحبت من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وترفض التعاون مع محققي الأمم المتحدة بشأن الانتهاكات في تلك الأرض المتنازع عليها. في  الحقيقة، إن  أولئك الذين يزعمون “الدفاع عن حقوق الإنسان” يخدعون أنفسهم فقط عندما يحاولون عسكرة حقوق الإنسان. إنهم يعرفون جيداً أن سجل بلدهم “معيب “، خاصة مع استمرار الانتهاكات الممنهجة دون أي تغيير على أرض الواقع.