دراساتصحيفة البعث

بحر قزوين هو المفتاح

هيفاء علي 

يبدو أن حرب الممر الاقتصادي تجري على قدم وساق، حيث بدأ أول تدفق للبضائع من روسيا إلى الهند عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب “اي ان اس تي سي”. هذا المشروع كان في طور الإعداد لفترة طويلة بشأن الاتفاق بين روسيا وإيران والهند لإنشاء طريق تجاري أورو – آسيوي أقصر وأرخص عبر بحر قزوين (مقارنة بقناة السويس)، وقد تمّ التوقيع عليه لأول مرة في عام 2000 قبل أحداث 11 أيلول. يعدّ هذا الممر في وضع التشغيل الكامل، وبات علامة على ميزة قوية للتكامل الأوروبي الآسيوي، إلى جانب مبادرة “الحزام والطريق”، ومنظمة “شنغهاي” للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

وأثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى عشق آباد، عاصمة تركمانستان، لحضور قمة بحر قزوين السادسة، وافقت الدول الخمس المطلة على بحر قزوين على عدم السماح بالعبور لأي سفن حربية أو قواعد تابعة لحلف شمال الأطلسي. ونظراً لأن بحر قزوين متصل بالبحر الأسود عن طريق قنوات الفولغا التي بناها الاتحاد السوفييتي السابق، يمكن لموسكو دائماً الاعتماد على أسطول احتياطي يتكوّن من سفن صغيرة مزودة بصواريخ قوية. وبالنسبة لجمهورية تركمانستان الغنية بالغاز، فمن المتوقع أن تنضمّ في نهاية المطاف إلى منظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الأوراسي، حيث تفيد المعلومات أن لدى رئيسها الشاب ميولاً قوية لاختيار هذا الأمر. في حين تمثل أذربيجان، الدولة المطلة على بحر قزوين، حالة معقدة لجهة أنها دولة منتجة للنفط والغاز، وقد اقترب منها الاتحاد الأوروبي لتصبح مورداً بديلاً للطاقة لروسيا، لكن الأمر لم ينجح حتى الوقت الراهن.

وفي سياق متصل، من الواضح أن السياسة الخارجية الإيرانية في ظل رئاسة إبراهيم رئيسي جزء من المسار الأوروبي الآسيوي والعالمي، حيث سيتمّ دمج طهران رسمياً في منظمة شنغهاي للتعاون كعضو كامل في القمة المقبلة التي ستعقد في سمرقند في أيلول القادم، بينما تمّ تقديم طلبها الرسمي لعضوية بريكس. بالإضافة إلى ذلك، أشارت بورنيما أناند، رئيسة منتدى بريكس الدولي إلى أن تركيا، والسعودية، ومصر حريصة على الانضمام إلى البريكس. وفي حال تحقق هذا الأمر، فبحلول عام 2024، يمكن أن يكون العالم في طريقه إلى مركز قوي في غرب آسيا، وشمال إفريقيا راسخ بقوة في واحدة من المؤسّسات الرئيسية في العالم متعدّد الأقطاب.

ومن خلال “خط الأنابيب والجغرافيا السياسية لأمن الطاقة- بيب لاين ستان”، تصبح حرب الممرات الاقتصادية أكثر تعقيداً، لجهة أنه لا يمكن للدعاية الغربية ببساطة أن تعترف بأن أذربيجان والجزائر وليبيا وحلفاء روسيا في أوبك، وحتى كازاخستان ليسوا حريصين حقاً على زيادة إنتاجهم النفطي لمساعدة أوروبا. ورغم ذلك فإن كازاخستان تشكّل حالة حساسة، فهي أكبر منتج للنفط في آسيا الوسطى، ومن المتوقع أن تصبح مورداً رئيسياً للغاز الطبيعي، بعد روسيا وتركمانستان مباشرة. حالياً، يتمّ تشغيل أكثر من 250 حقلاً للنفط والغاز في كازاخستان بواسطة 104 شركات، بما في ذلك عمالقة الطاقة الغربية مثل شيفرون، وتوتال، وإكسون موبيل، ورويال داتش شل. وبينما تمثل صادرات النفط والغاز الطبيعي والمنتجات النفطية 57٪ من صادرات كازاخستان، فإن الغاز الطبيعي مسؤول عن 85٪ من ميزانية تركمانستان، حيث يتجه 80٪ من الصادرات إلى الصين، وفوق ذلك كله، فإن “غالكينيتش” هو ثاني أكبر حقل غاز على هذا الكوكب.

ويتمثل أحد الجوانب الحاسمة في أن معظم صادرات النفط الكازاخستانية إلى الاتحاد الأوروبي تمرّ عبر روسيا، عبر اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين “سي بي سي” كبديل، يفكر الأوروبيون في طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين الذي لا يزال غير واضح، والمعروف أيضاً باسم الممر الأوسط (كازاخستان – تركمانستان – أذربيجان -جورجيا – تركيا).

باختصار، تحتفظ روسيا بالسيطرة الكاملة على رقعة الشطرنج لخط الأنابيب في أوراسيا من دون التطرق حتى إلى خط أنابيب سيبيريا 1 و2 الذي تديره شركة غازبروم ويؤدي إلى الصين الـمقتنعة، من جانبها، بأن أحد كوابيسها الاستراتيجية الرئيسية قد يختفي في النهاية، فمن المقرّر أن يتحقق “الهروب من ملقا” الشهير، بالتعاون مع روسيا عبر طريق بحر الشمال، والذي سيختصر ممر التجارة والربط بين شرق آسيا وشمال أوروبا، ويقلصه من 11200 ميل بحري إلى 6500 ميل بحري فقط.

إنه التوءم القطبي لممر النقل البحري بين الشمال والجنوب، وهذا يفسّر أيضاً سبب انشغال روسيا ببناء مجموعة ضخمة من كاسحات الجليد الحديثة. أي هناك ربط بين طرق الحرير الجديدة يوشك على قلب الهيمنة التجارية الغربية تماماً، بينما يتطوّر التعاون الاقتصادي بين روسيا والصين على العديد من المستويات المعقدة والمتقاربة لدرجة تثير الذهول.

من المهمّ الإشارة إلى أن أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لواشنطن في حربها التي لا هوادة فيها ضد روسيا كان دائماً اختراق ممرات مبادرة الحزام والطريق التي تتقاطع مع الأراضي الروسية. كما أنه من الضرورة بمكان التنويه بأن العشرات من مشاريع مبادرة الحزام والطريق في مجال الصناعة والاستثمار والتعاون الإقليمي عبر الحدود ستعزّز في نهاية المطاف مفهوم روسيا للشراكة الكبرى أوراسيا، والتي تتضمن أساساً إقامة تعاون متعدّد الأطراف مع مجموعة واسعة من الدول تنتمي إلى منظمات مثل بريكس وآسيان ومنظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.