دراساتصحيفة البعث

الأمم المتحدة تخفق في حماية أطفال فلسطين

سمر سامي السمارة

“نأسف لأننا فشلنا في حمايتك”، كانت هذه إحدى العبارات الواردة في البيان الصادر عن خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة في 14 تموز الجاري، الذين حثوا حكومة الاحتلال الإسرائيلية على إطلاق سراح السجين الفلسطيني أحمد مناصرة، البالغ من العمر 20 عاماً، والذي تمّ اعتقاله وهو في الـ13 من عمره.

اتهم خبراء حقوق الإنسان الكيان الإسرائيلي بحرمان الشاب مناصرة من طفولته وبيئته الأسرية، والحماية، وجميع الحقوق التي كان ينبغي ضمانها عندما كان طفلاً، وأضافوا أن هذه القضية “مخيفة من نواحٍ عديدة، واستمرار اعتقاله، على الرغم من تدهور حالته العقلية، هو وصمة عار علينا جميعاً كجزء من المجتمع الدولي لحقوق الإنسان”.

أصبحت إدانة “إسرائيل” لإساءة معاملتها وانتهاكها لحقوق الأطفال الفلسطينيين، سواء المحاصرين في غزة التي مزقتها الحرب، أو أولئك الرازخيين تحت الاحتلال العسكري والفصل العنصري في بقية الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، أمراً مألوفاً. ومع ذلك، لا تزال بمنأى عن القائمة، التي يصدرها الأمين العام للأمم المتحدة سنوياً، والتي تُسمّي وتفضح الحكومات والجماعات التي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال والقُصّر في أي مكان في العالم.

ومن المستغرب أن التقرير الذي يقرّ بسجل إسرائيل المروع في انتهاك حقوق الأطفال في فلسطين، أورد تفاصيل بعض هذه الانتهاكات التي تحقق موظفو الأمم المتحدة بشكل مباشر منها، وتضمنت “2934 انتهاكاً جسيماً بحق 1208 طفل فلسطيني” في العام 2021 وحده، حيث يساوي هذا التقرير بين سجل “إسرائيل”، وهو أحد أشد السجلات قتامة في العالم، وبين سجل الضحايا الفلسطينيين، أي أنه يساوي بين الضحية والجلاد.

في تناقض واضح، جمع تقرير الأمم المتحدة جميع الفئات معاً لصرف الانتباه عن هوية الجاني، وبالتالي تقليل التركيز على الجرائم الإسرائيلية. على سبيل المثال، يذكر التقرير أن ما مجموعه 88 طفلاً تمّ استهدافهم في جميع أنحاء فلسطين، منهم 69 في غزة، و17 في الضفة الغربية والقدس المحتلة. ومع ذلك، يفصل التقرير جرائم القتل هذه على نحو يخلط بين الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين وكأنهم يحاولون عن قصد إرباك القارئ، بحيث عند القراءة بعناية، يكتشف المرء أن جميع عمليات الاستهداف هذه نفذتها القوات الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، يستخدم التقرير المنطق نفسه لتحديد عدد الأطفال الذين تمّ تشويههم خلال النزاع، فعلى الرغم من أنه من بين 1128 طفلاً ممن تمّ تشويههم، كان 7 فقط من الإسرائيليين. ومن بين الباقين، تم تشويه 661 في غزة، و 464 في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

من المؤكد، أن التقسيم المربك لهذه الأرقام في حدّ ذاته لم يكن عرضياً، لأنه أتاح المجال للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالإعلان أنه إذا تكرر الوضع في عام 2022، دون تحسين ملموس، يجب إدراج إسرائيل، لكن الأسوأ من ذلك، ذهب تقرير غوتيريش إلى أبعد من ذلك لطمأنة الإسرائيليين بأنهم يسيرون على الطريق الصحيح بالقول إنه “حتى الآن هذا العام، لم نشهد عدداً مماثلاً من الانتهاكات”، وكأنه يوحي بأن حكومة نفتالي بينيت، ويائير لابيد، غيرا عمداً سياساتهما فيما يتعلق باستهداف الأطفال الفلسطينيين، مع أنه ما من دليل على ذلك على الإطلاق.

في 27 كانون الثاني الماضي، أفادت الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال أن “إسرائيل” كانت تكثف عدوانها ضد الأطفال في الضفة الغربية والقدس المحتلة منذ بداية عام 2022، وأكدت الحركة أن ما يصل إلى 15 طفلاً فلسطينياً لقوا حتفهم على يد القوات الإسرائيلية في الأشهر الستة الأولى من عام 2022، كما تمّ استهداف العدد نفسه تقريباً في المناطق نفسها طوال العام السابق بأكمله، ويشمل هذا العدد 5 أطفال في مدينة جنين المحتلة وحدها. حتى أن “إسرائيل” استهدفت الصحفيين الذين حاولوا تغطية هذه الانتهاكات، بما في ذلك الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي استشهدت في 11 أيار الماضي، وعلي الصمودي، الذي أصيب في ظهره في اليوم نفسه.

من المؤكد، يمكن قول الكثير عن حصار مئات الآلاف من الأطفال في قطاع غزة، المعروف باسم “أكبر سجن مفتوح في العالم”، وأكثر من ذلك بكثير في الضفة الغربية المحتلة. لذلك فإن الافتقار إلى حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة، وفي حالة غزة، المياه النظيفة، لا يشير إلى أي تحسّن ملموس في سجل “إسرائيل” فيما يتعلق بحقوق الأطفال الفلسطينيين.

جدير بالذكر، كان عام 2014 من أكثر الأعوام مأساوية بالنسبة للأطفال الفلسطينيين، حيث تم استهداف 557 طفلاً، وإصابة 4249، وفقاً لتقرير سابق للأمم المتحدة، استُهدفت الغالبية العظمى منهم خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، وذكرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” أن عدد الفلسطينيين الذين تم إستهدافهم كان ثالث أعلى عدد في العالم في ذلك العام. ومع ذلك، لم تُدرج “إسرائيل” في القائمة السوداء على “قائمة العار” للأمم المتحدة.

في الحقيقة، أصبحت الرسالة واضحة، حيث يمكن للكيان الإسرائيلي استهداف الأطفال الفلسطينيين كما يحلو له، دون مساءلة قانونية أو سياسية أو أخلاقية عن أفعاله.