صحيفة البعثمحليات

قبل المفاضلة الجامعية..!

غسان فطوم

في كل عام تقرر اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي قبول جميع الناجحين في الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي في الجامعات والمعاهد، وذلك بموجب قانون الاستيعاب الجامعي الذي صدر في سبعينيات القرن الماضي، والذي كان بلا شك وما زال قراراً هاماً أتاح فرص التعليم للجميع وبشكل مجاني، فحقق بذلك هدفاً اجتماعياً وتنموياً ساهم في بناء نهضة البلد طوال العقود الماضية من خلال رفد المؤسسات بكوادر جامعية متخصصة، لكن اليوم وفي ظل تحول الجامعات والمعاهد إلى مخازن لتفريخ العاطلين عن العمل نتيجة كثرة عدد الخريجين وانكماش فرص العمل، بات لا مناص من البحث عن سياسة استيعاب جديدة تركز على الجودة والنوعية، خاصة بعد أن تغيرت حاجات ومتطلبات سوق العمل التي لم تعد تقبل بالشهادات التقليدية التي تُتخم بها مؤسساتنا دون أن تُقدم أي قيمة مضافة للمنتج أياً كان..!.

ولعل الحاجة الملحة التي تتطلب التفكير الجدي بهذا التوجه، بل تنفيذه على وجه السرعة هي فقر أو غياب التخصصات الجديدة التي تتناسب مع مشاريع وخطط مرحلة إعادة الاعمار، ما يستدعي قلب الهرم في القبول من خلال التوجه إلى التعليم التقاني والمهني والحرفي باعتباره ضرورة وطنية تتطلب الاستثمار الجدي لطاقات الشباب المجمدة في ثلاجة التأجيل!

وللتذكير ما زال المعنيون بشؤون التعليم العالي مستمرون في نفس الخطأ والذي يتمثل باستمرار هيمنة الجامعات على الحصة الكبرى من القبول الجامعي وبنسبة تزيد عن الـ 75%، مما جعل المعاهد بيئات طاردة للشباب، الذين كانوا يرتضون بأي فرع بالجامعة، وهو برأيهم أفضل بكثير من دراسة معهد هو بنظر الناس “مأوى للفاشلين دراسياً” هذه العبارة شكلت عقدة نقص حقيقية لكل من قذفته المعدلات النارية للمفاضلة الجامعية إلى مستنقع المعاهد.

بالمختصر، إن استيعاب جميع الناجحين في الثانوية العامة هو مطلب حق لكل طالب، لكن ذلك لا يمنع من إعادة النظر بطرق القبول من أجل تفعيل دور الجامعات وبالأخص المعاهد التقانية في تلبية احتياجات سوق العمل على ضوء بعض الاتجاهات المعاصرة لتكون أكثر فائدة لعجلة التنمية، ولعل الخطوة الأولى تكون ببناء المناهج التي توفر المهارات اللازمة للسوق عن طريق التأكيد بأن التعليم التقني والمهني هو رائد التنمية في المستقبل، لذلك يجب أن تفتح أبوابه على مصرعيها ونشجع ونحفّز الطلبة للدخول فيه خاصة وأن التوجهات المعاصرة للتنمية أصبحت تنظر إلى التعليم الجامعي من خلال درجة انفتاحه على حاجات ومتطلبات المجتمع ومدى قدرته على حل مشكلاته وتحقيق متطلباته، وذلك لا يتحقق إلا من خلال دعم هذا النوع من التعليم، وللعلم نهضة العالم المتقدم بنسبة 80% قامت على أكتاف الخريجين في المعاهد المهنية والحرفية!.

gassanazf@gmail.com