ثقافةصحيفة البعث

القوالب الغنائية بمرافقة التخت الشرقي وأعضاء البيت الدمشقي

ملده شويكاني

“مهما تغنيت بأوصافها ما بيكفي لو عشت المية” إحدى الأهازيج الشامية التي كتبها الشاعر الغنائي عبد الرحمن الحلبي، بصوت بشار خاوندي ومرافقة فرقة التخت الشرقي بقيادة الملحن بديع بغدادي، في الأمسية التي أقامتها مديرية ثقافة دمشق بالتعاون مع المركز الثقافي في كفرسوسة على مسرح المركز بحضور محبي الموسيقا والغناء.

وقد دمجت الأمسية بين الجانب السردي للقوالب الغنائية (الموشح، الأهزوجة، المونولوج، الأغنية الوطنية) والتطبيقي بمشاركة مطربين، وتميزت بدور الدرامز في مواضع، وبمشاركة الشاعرين عبد الرحمن الحلبي الذي كتب كل ما قُدم بالأمسية، وجمال القجة، فحملت أبعاداً تعريفية بتاريخ الغناء السوري والأعلام اللامعة وبعض أسماء الصحف التي واكبت الحركة الفنية.

كما اتخذت الطابع التراثي بتوثيق يوميات حارات الشام، فكان فنّ المونولوج هو الأقرب إلى الحاضرين بمشاركة الممثل باسل فتال بكاركتر مشابه لفنان الشعب رفيق سبيعي.

ومن المعروف أن فنّ الموشحات حافظ على انتشاره وقربه من الناس كونه ارتبط بحلب مدينة الموسيقا، فغنى بشار خاوندي موشح “أمسكت قلبي” كلمات عبد الرحمن الحلبي وألحان عدنان أبو الشامات، وفق الألحان التقليدية للموشح بدور الناي والعود بشكل خاص مع الخط الإيقاعي.

الأهزوجة والمونولوج

ثم عزفت الفرقة أهزوجة صباح الشام ألحان عصمت رشيد، بصوت بشار خاوندي وتميزت بصولو العود بمرافقة الإيقاع بالفاصل الموسيقي، ومن ثم تكرار البيت  الأساسي:

بالشام بتحلى الصبحية

ما بين الخضرة والمية.

وإلى المونولوج الفنّ الأقرب إلى الشارع السوري كونه لسان حالهم، وقد برع بهذا الفنّ الفنان رفيق سبيعي الذي قدم الكثير إضافة إلى حضوره القوي على المسرح وارتبط بشراكة فنية مع الشاعر عبد الرحمن الحلبي، الذي يرى بمشاركة الممثل باسل فتال إحياء لمسار رفيق سبيعي، فبدأ بمونولوج “اسمع يارضا”  كلمات وألحان عبد الرحمن الحلبي بتأثيرات جمالية اللحن الإيقاعي المتدرج:

اسمع يا رضا شو صار

واحد صفق وواحد طار

يلي صفق عبا الجيبة

ويلي طار طولت الغيبة.

رجل الغاز والجاز 

إلا أن المونولوج الأقوى والأقرب كان بعنوان رجل الغاز بأداء باسل فتال وألحان بديع بغدادي، والذي كتبه عبد الرحمن الحلبي بناء على رغبة رفيق سبيعي، ويتميز المونولوج بوصف حالة الاشتياق إلى رنة وتجوال بائع الغاز نتيجة الحرب الإرهابية وتبعاتها:

وينك يا بياع الغاز

اشتقنا لرنة جراتك

وعزفك يلي مثل الجاز.

التراث الدمشقي والطربوش

الفاصل بالأمسية كان بالمشهد التعبيري الذي قدمه أعضاء البيت الدمشقي بمشاركة صاحب البيت الدمشقي هيثم طباخة والفنان التشكيلي أحمد سوار، بعرض جماعي للزيّ الدمشقي المتبع في التراث الدمشقي، وبالغناء الجماعي لمونولوج الطربوش كلمات وألحان عبد الرحمن الحلبي:

شو منتباهى بالطربوش

والعالم فينا مدهوش

فقدم الحلبي شرحاً تفصيلياً عن القمباز المصنوع من قماش الصايا، والشال الكشميرية والميتان والشروال:

والبدلة المحكمجية

والشالة الكشميرية

والدامر والإطشية

والعكاز وكسرية

وشروال اللزكرتية

والميتان وصدرية

متطرقاً أيضاً إلى ساعة الجيب المرتبطة بسلسلة.

بدأ المونولوج بالغناء الجماعي بصوت واحد وبمرافقة لحنية بوتيرة واحدة بدور الرق وآلات التخت الشرقي، ليصل إلى”ما بتحلى حارات الشام إلا بلبس رجالها” بمرافقة صولو الكمان بديع بغدادي وبتداخل مفردة “ياخال”.

المونولوج الأخير “حال السوري” وكان من المقرر أن يقدمه رفيق سبيعي لكن القدر لم يمنحه هذه الفرصة فلحنه بديع بغدادي بلون رفيق سبيعي، وتميز بدور خاص لضربات الدرامز وغناه محمد المنذر “كان بأمواله منعم ومفرفش صفا عل الحديدة اليوم”.

سورية الأم

وانتقل الحلبي إلى الأغنية الوطنية، فقدمت أغنيات عدة، منها “الوطن السوري” غناء محمد المنذر:

الوطن السوري تكلل غار

لما انهزم الاستعمار

بدور خاص للناي، ثم أغنية “سورية منحييك- سورية منحييك كل يوم نكبر فيك” مع فواصل الدرامز، ألحان بديع بغدادي وغناء محمد المصري، وصولاً إلى الأغنية الأقوى التي لحنها أمين الخياط “سورية رح تبقى الأم، ومهما تغربنا بتلم” مع دور العود والكمان ضمن تشكيلة الفرقة، بصوت محمد المصري.

نزار قباني

وخلال الأمسية تحدث الشاعر جمال القجة عن دور الشعراء السوريين الذين أغنوا الساحة الغنائية السورية والعربية، متوقفاً عند الشاعر العربي نزار قباني الذي صنعت قصائده نجوم الغناء في الوطن العربي، فغنى له عبد الحليم حافظ وفيروز وماجدة الرومي وكاظم الساهر وغيرهم.

مصطفى هلال

كما قدم الشاعر الغنائي عبد الرحمن الحلبي سرداً تفصيلياً عن قوالب الغناء، وتطرق إلى الأهزوجة التي تتناول البيئة السورية كاملة، وخصّ أهازيج البيئة الدمشقية في هذه الأمسية، متوقفاً عند ما قدمه أبو خليل القباني والباحث مصطفى هلال الذي دوّن الإرث الدمشقي بإذاعة دمشق، متمنياً تكريس هذه الفعاليات والتركيز على نتاج الملحنين السوريين  مثل نجيب السراج ورفيق شكري وغيرهم.

الحفاظ على التراث اللامادي

اختتمت الأمسية السيدة نعيمة سليمان مديرة ثقافة دمشق بكلمتها على المسرح، وأوضحت بأن الفعالية ضمن خطة ثقافة دمشق برعاية السيدة وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح للتعريف بفنون القوالب الغنائية وخصوصية كل قالب على حدة، وبأهمية الشعر الغنائي المرتبط بشعراء وملحنين أثروا الحركة الفنية في سورية، فكثيرون يسمعون الأغاني لكنهم لا يتوقفون عند أسماء الشعراء والملحنين، فأردنا التركيز على أنواع الشعر الغنائي ومنها الأهزوجة والمونولوج، وكله يصب بالتراث السوري، ودورنا في مديرية ثقافة دمشق الحفاظ على تراثنا وصونه من الاندثار بإقامة الأنشطة والفعاليات التي تُعنى بالتراث اللامادي المرتبط بهويتنا وانتمائنا.

شارك بالأمسية محمود بليلي عود، وأحمد عبدو ناي، وعلي ياسين أورغ، وأمين السقا إيقاع، وقدم الأمسية الإعلامي عبد الكريم البوشي.