مجلة البعث الأسبوعية

القطب المخفية في أزمة الكهرباء.. هل أنجزت أي جهة حكومية دراسة عن الحجم الهائل من الخسائر بسبب التقنين؟

البعث الأسبوعية – علي عبود

حكايتنا مع الكهرباء حكاية طويلة لن نشهد نهاية فصلها الأخير في الأمد المنظور على الرغم من وعود المسؤولين المعسولة!

في بداية هذا القرن مثلا عندما كانت الحكومة تنعم بوفرة من القطع الأجنبي ومكتفية ذاتيا من المحروقات لم تكن الكهرباء بوضع جيد فما من منطقة واحدة في سورية إلا وكانت تعاني من ساعات قطع طويلة لا تقل عن عشر ساعات يوميا ، وكانت الذريعة آنذاك ليس نقص في المحروقات وإنما (زيادة الحمولات على الشبكة)!

صحيح أن السوريين شهدوا إنفراجات فعلية في نهاية تسعينات القرن الماضي في الكهرباء ولكن سرعان ما عادت الأزمة من جديد ، والتبريرات دائما جاهزة!

معزوفة مكررة!!

منذ ثمانية أشهر وعدتنا وزارة الكهرباء، أن وضعنا الكهربائي سيتحسن بشكل ملموس مع حلول شهر حزيران ، لنفاجأ بحصول العكس: قطع عشوائي ومتواتر ولساعات طويلة جدا، أعقبه ظلام دامس لأكثر من يومين، وكالعادة الذريعة جاهزة: خروج عدد من مجموعات التوليد من الخدمة بسبب نقص الفيول والغاز، وانهيار كامل ومفاجئ للمنظومة بكاملها!

ماذا يعني هذا التبرير الذي تحول إلى معزوفة مكررة على مدار اليوم ؟

يعني أن مجموعات التوليد الجديدة التي بشرت الحكومة بإنجازها تباعا في النصف الثاني من هذا العام لن تدخل الخدمة لتحسين الوضع الكهربائي طالما المحروقات غير متوفرة!

وزير النفط يكرر: نزود وزارة الكهرباء بالغاز والفيول حسب الكميات المتوفرة.

وزير الكهرباء يكرر أيضا: حجم التوليد متوقف على ما يردنا من غاز وفيول من وزارة النفط!

السؤال بطبيعة الحال : ولماذا لا تستورد الحكومة الكميات الكافية من المحروقات لتأمين الكهرباء الضرورية جدا ليس للمنازل فقط، وإنما للقطاعات الإنتاجية أيضا وهي الأهم، لإنتاج حاجات السوريين من السلع والخدمات محليا بدلا من استيرادها؟

 

خسائر جسيمة!

منذ أشهر بدأت جهات عامة تجرؤ على الإعلان عن خسائرها الجسيمة بسبب التقنين الجائر الذي تسبّب بتوقف خطوطها الإنتاجية جزئيا لعدة ساعات في اليوم، كما أدى نقص المازوت إلى توقيف كامل لخطوط الإنتاج في عدد من الشركات العامة، وبخاصة في المحافظات المحرومة أساس من حصتها النظامية من المازوت المدعوم!

وعندما تعلن بعض الشركات الحكومية أنها تبيع من المخزون بسبب التوقف الكلي لخطوط الإنتاج، فهذا مؤشر خطير قد يسفر في حال عدم توفر حوامل الطاقة إلى توقف دوران عجلات إنتاج السلع الأساسية في الكثير من الشركات العامة دون أن تكترث وزارة الصناعة لما يجري، بدليل عدم طرحها للمشكلة في أي اجتماع لمجلس الوزراء!، والأمر لا يختلف كثيرا لدى شركات القطاع الخاص،باستثناء التي بمقدور أصحابها تأمين احتياجاتهم من الطاقة من السوق السوداء!

ترى هل أنجزت أي جهة حكومية ولو بعيدا عن الأضواء دراسة عن حجم خسائر الاقتصاد الوطني جراء التقنين القاسي والطويل للكهرباء؟

أسئلة بلا إجابات

إذا كانت المسألة تتعلق بتأمين القطع الأجنبي لاستيراد المحروقات فلماذا لا يُسمح للقطاع الخاص بتأمين حاجته منها ذاتيا وتحديدا المدن والمناطق الصناعية؟

وإذا كانت الذريعة صعوبات استيراد المحروقات بفعل الحصار فإن السؤال: هل تعجز دولة صديقة مثل روسيا أو حليفة  مثل إيران من إمدادنا بحاجتنا منها دون أي اعتراض لناقلاتها من  دول الغرب؟

كلنا يتذكر إمداد إيران لفنزويلا ومؤخرا للبنان بالمحروقات .. وبالتالي السؤال : ما القطب المخفية باستيراد المحروقات الضرورية للإنارة ولدوران عجلات الإنتاج؟

هذه الأسئلة وغيرها لا تجيب عليها الجهات الحكومية بصراحة وشفافية، وخاصة الأسئلة المتعلقة بوزارتي النفط والكهرباء.

منذ أكثر من أربعة عقود  كانت وزارة الكهرباء تقول أن السبب في حدة المشكلة واستمرارها يعود إلى عدم القدرة على توليد الطاقة الكافية لحاجات الاستهلاك ..

وعندما رصدت الحكومة الأموال اللازمة لإنشاء محطات توليد كافية وزائدة عن الحاجة الفعلية طالعتنا وزارة الكهرباء بنغمة جديدة تقول أن الوضع الفني للشبكة غير مؤهل لإيصال التيار من محطات التوليد إلى التجمعات السكنية والصناعية والخدمية .. الخ، والذريعة المكررة في السنوات الأخيرة : لا توجد كميات كافية من المحروقات لمحطات توليد الكهرباء!

ما الحل؟

سؤال نطرحه منذ سنوات على المسؤولين .. في ظل “مشكلة كهرباء” ما أن تختفي حتى تعود في ثوب جديد يُربك الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي لا تحتمل أصلا أيّ إرباك جديد !

وما من مرة واحدة أتانا الجواب الشافي الذي يحمل الحل الجذري لحالة غير طبيعية من الإرباكات اليومية نعيشها على مدى عقود وليس سنوات.

أليست مفارقة عجيبة أن نسعى إلى امتلاك التكنولوجيا الجديدة المواكبة لعصر المعلومات ونحن نعجز ـ أو لا نريد ـ حل مشكلة اسمها الكهرباء !

وإذا كان الأمر عكس ما نقول فما هي مبررات استمرار هذه المشكلة طيلة العقود الماضية ؟، والأدهى من كل ذلك أن وزارة الكهرباء تؤكد أن لا حلول نهائية لمشكلة الكهرباء في المدى المنظور !

هل الحلّ في ترشيد الاستهلاك ؟

وزارة الكهرباء أدرى من غيرها أن غالبية المواطنين ليست لديهم القدرة المالية الكافية للتبذير في استهلاك الطاقة للاستمتاع بسلع كمالية ؟

هل الحل في رفع تعرفة استهلاك الكهرباء ؟

سبق لوزارة الكهرباء أن رفعت التعرفة عدة مرات، ولم يثبت لديها أن هذا الحل شافٍ، بل هو حل يشجع على الاستهلاك المجاني للكهرباء !

كما أن الزيادات المتكررة لقيمة استهلاك الطاقة دفع بشركات عامة كثيرة إلى الاستغاثة والتحذير من توقف خطوط الإنتاج بسبب ارتفاع تكاليف سلعها غير القادرة على المنافسة في الأسواق .

ونعود إلى السؤال : ما هي أسباب استمرار مشكلة الكهرباء التي ما أن تختفي حتى تعود ؟

نعترف أننا لا نملك الجواب الشافي والوافي لأن الخبر اليقين هو عند وزارة الكهرباء ، وتحديدا عند الحكومات المتعاقبة.

ما نسمعه حتى الآن ليس أكثر من شرح تفصيلي لوضع راهن يحتوي على المبررات أكثر مما يتضمن طرق العلاج .

 الخلاصة

أزمة  الكهرباء مستمرة بأشكال وتبريرات متفاوتة منذ عقود والسؤال:  كيف يمكن للحكومة أن تدير عجلات الإنتاج وتدعو رجال المال والأعمال للاستثمار في سورية دون توفر الكهرباء على مدار الساعة ؟!.