مجلة البعث الأسبوعية

المشاركة المتوسطية لرياضتنا في مقياس التقييم …الحصيلة الرقمية مرضية والتخطيط غائب دون مبرر

البعث الأسبوعية – ناصر النجار

انتهت دورة المتوسط التي استضافتها وهران الجزائرية وحلت رياضتنا بالمركز الرابع عشر، وهو متناسب مع مستوى الدول المشاركة ومتناسب مع حجم بعثتنا ومستوى المشاركين فيها.

والنتائج المحققة كانت متوقعة وإن كان الأمل أن يعود غزال القوى بميدالية ذهبية لكن الإصابة التي تعرض لها منعته من تحقيق رقمه الشخصي فنال الميدالية الفضية.

والحقيقة التي لا تحجب بغربال أن هذه البطولة كشفت موقع رياضتنا على الخارطة المتوسطية وبينت أن رياضتنا تعيش على الطفرات فلا شيء جديد يذكر ولا شيء يعاد، ورياضتنا لا تعرف كيف تصنع البطل ولا تريد صناعته لأنها تنتظر ولادته!

فريق الفروسية حمل المهمة بأمانة ومعه أبطالنا أحمد غصون ومعن أسعد ومجد الدين غزال، هؤلاء هم حصيلة الرياضة فقط، ولأن رياضتنا ترعى الأبطال وتدعمهم كانت مكافأة الغزال بحرمانه من المشاركة ببطولة العالم وهي نقطة يجب الوقوف عليها طويلاً، ومعاقبة المتسببين بهذا الحرمان مهما كان الخطأ إدارياً أو تنظيمياً أو مقصوداً.

وإذا كانت دورة المتوسط امتحانا حقيقيا لرياضتنا فهي مجرد استعداد للعديد من الدول الأخرى كمصر ودول المغرب والدول الأوروبية، لأن هذه الدول لا تعول على هذه الدورة غير المعترف بها دولياً، وأرقامها بعيدة كثيراً عن الأرقام الدولية والقارية، والنتائج الرقمية تؤكد هذا الكلام الذي لا غبار عليه.

رياضتنا بمقياس دورة المتوسط غير مرضية لأنها اعتمدت على قلة من الرياضيين، وكنا نتمنى أن نحذو حذو بقية الدول فنشارك بعدد أكبر وألعاب أكثر من باب الاحتكاك والخبرة بعيداً عن النتائج المتوقعة، فالرياضة تحتاج للخبرة والنجاح يحتاج إلى شجاعة وإذا كان مقياسنا الخوف من عدم تحقيق النتائج فلن تتقدم رياضتنا قيد أنملة عن موقعها المتأخر على الخريطة العربية على الأقل، وإذا كان طموح رياضتنا دورات غرب آسيا ومن يشبهها فعلى رياضتنا السلام.

والحصيلة التي خرجنا منها من كل مشاركاتنا بدورات المتوسط والدورات العربية نجد فيها أن رياضتنا قوية بالألعاب الفردية وألعاب القوة، أما بقية الرياضات فهي في خبر كان، وللأسف تستهلك كل مقدرات الرياضة وأموالها، وللأسف فإن أي بعثة لمنتخب السلة أو كرة القدم تزيد عدداً على بعثة رياضتنا إلى دورة المتوسط الأخيرة، فلماذا نصرف على هذه الألعاب المهترئة بسخاء ونبخل على ألعاب نعلم تماماً أنها ستحقق ما يلبي طموح كل الرياضيين وعشاق الرياضة؟ وإذا كان العذر بجماهيرية الألعاب فإنه عذر غير مبرر ولا يبيح لنا أن ندمر ألعاباً مهمة على حساب (غنج) كرة القدم و(دلال) كرة السلة.

الأرقام التي سنستعرضها تدل على عراقة الملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال وألعاب القوى وقد تواجدت بقوة على الساحة المتوسطية بكل مشاركاتها، وهذه إشارة واضحة إلى أن رياضتنا تملك القاعدة الواسعة من هذه الألعاب القادرة على التفوق واعتلاء منصات التتويج.

وهناك بوادر ظهرت بين الفينة والأخرى أعطتنا ملامح إلى أن ألعاب الكاراتية والجودو والجمباز من الممكن إن لقيت الرعاية أن نجد خاماتها متفتحة، ودلت الفروسية مؤخراً إلى أن العناية بالرياضة ومواهبها وأبطالها ستعطيك ثمرة هذا الدعم نتائج ثقيلة بالميزان ترفع الرأس وتعلي الرايات.

شمس رياضتنا لم تغب عن دورات المتوسط منذ الدورة الأولى عام 1951، وغابت فقط عن دورة تونس عام 1967 وشاركت مع مصر بدورة 1959.

أفضل مشاركة كانت في دورة اللاذقية 1987 وجئنا بالمركز السابع، وبالمركز ذاته في نابولي عام 1963، وحققنا المركز الثامن في الإسكندرية 1951 وبرشلونة 1955، وبالمركز التاسع في أزمير 1971، والعاشر بدورة الجزائر 1975.

ومن خلال مشاركتنا السابقة حققت رياضتنا 153 ميدالية منها 32 ذهبية و43 فضية و78 برونزية.

المصارعة في الصدارة

رياضة المصارعة حققت ثلث الميداليات من خلال مشاركاتها الواسعة ونتائجها الطيبة فكانت حصيلة ميدالياتها 56 بواقع ثماني ذهبيات 17 ميدالية فضية و31 ميدالية برونزية.

حصيلة المصارعة الرومانية بالذهب أعلى فنالت سبع ذهبيات وفضيتان و16 برونزية، بينما نالت المصارعة الحرة ذهبية واحدة و15 فضية ومثلها برونزية.

الأسماء البارزة التي حصلت على الميداليات كثيرة ما يدل على وفرة الأبطال والنجوم في هذه الرياضة التي استمرت بالحصاد حتى دورة تاراغواتا في إسبانيا، لكن سنوات الأزمة أجهضت الكثير من الأحلام، واتحاد اللعبة بدأ بإعداد مصارعين جدد من جيل الشباب إن استمرت رعاية هؤلاء الأبطال ودعمهم فمن الممكن أن تستعيد المصارعة هيبتها على الساحة الخارجية.

قوة ضاربة

على صعيد الذهب كانت حصيلة الملاكمة الأعلى بتسع ذهبيات وحققت 11 ميدالية فضية و21 ميدالية برونزية، والملاكمة لعبة عريقة لها تاريخها المشرق وانجازاتها الخارجية المتميزة وهي تمثل القوة الضاربة في الرياضة السورية.

والملاكمة مملوءة بالأسماء الذهبية التي تألقت بكل المحافل الدولية والخارجية التي شاركت فيها: وهناك الكثير من الملاكمين الذين يشار إليهم بالبنان ونذكر منهم أحمد مايز الخانجي الذي نال ذهبيتي دورة 1987 ودورة 1991 وأحمد غصون في دورتي 2018 و2022 وكان بسمة الملاكمة في الجزائر، ونال الذهب أيضاً: محمد حداد وحامد حلبوني في دورة 1987 وياسر شيخان بدورة 2005 وغياث طيفور وأحمد عابدين في دورة 1991.

رياضة الملاكمة تعيد ترتيب أوراقها من جديد وهذا لا يخفي وجود صراعات داخلية نخشى أن تقضي على هذه اللعبة إن استمرت هوجاء دون أن تصغي للغة العقل والحكمة والمنطق.

تواجد مؤثر

حققت رياضة رفع الأثقال تواجداً كبيراً ومؤثراً في كل الدورات المتوسطية التي شاركت فيها، ودوماً خزائن الاتحاد مملوءة بالميداليات والكؤوس، ودوماً صالات اللعبة مملوءة بالمواهب والأبطال.

حققت رفع الأثقال من خلال مشاركاتها 32 ميدالية، منها ست ذهبيات وعشر فضيات وست عشرة برونزية، ويبقى عهد جغيلي الاسم الأبرز في هذه الرياضة بنيله ست ميداليات منها ذهبيتان وثلاث فضيات وبرونزية واحدة في ثلاث دورات بين 2005 حتى 2013، يليه طلال النجار بخمس ميداليات واحدة ذهبية ومثلها فضية وثلاث برونزيات في ثلاث دورات أيضاً بين 1979 حتى 1987، ونال رهيف الآغا ذهبية وبرونزية ومحمد سامي درويش ذهبية، والعهد الأخير بعهدة معن الأسعد الذي نال ذهبية وفضية في دورة وهران وهو الأمل الوحيد المتبقي بهذه اللعبة.

قفزة نوعية

الفروسية حققت قفزة نوعية في السنوات الأخيرة وهي الرياضة الوحيدة التي سارت عكس الاتجاه فتغلبت على كل الظروف والأزمات واجتهدت وأينعت وحصدت ثمار الجهد والتدريب والعناية بالقواعد والمواهب والخامات جيلاً بطلاً ينافس على كل الصعد الدولية بكل الفئات.

حصيلة الفروسية من مشاركتين فقط ثلاث ذهبيات وفضيتان، حيث نال الفارس الذهبي الشهيد باسل الأسد ذهبية الفردي بدورة 1987 ونال منتخب سورية فضية الفرق في الدورة ذاتها، وفي دورة وهران نال منتخب سورية ذهبية الفرق، ونال الفارس أحمد حمشو ذهبية الفردي كما نال الفارس شادي غريب فضية الفردي.

طفرات قليلة

ألعاب القوى بكل مسابقاتها وميدالياتها لم تعرف الأضواء إلا عبر بعض الطفرات التي ظهرت بين الفينة والأخرى، ونالت ألعاب القوى بمشاركاتها ثماني ميداليات ثلاث ذهبيات ومثلها برونزيات وفضيتان.

نال زيد أبو حامد ذهبيتا 400 متر حواجز في دورتي 1993 و1997 والذهبية الثالثة كانت لمجد الدين غزال في الوثب العالي بدورة 2018 ونال بعدها الفضية بالدورة الماضية ونالت غادة شعاع فضية السباعي بدورة 1993ونال حافظ الحسين برونزية رمي الرمح بدورة 1987 وفراس المحاميد برمي الرمح أيضاً بدورة 2005 والبرونزية الثالثة كانت لفريق سيدات سورية بسباق 400×4.

وكما نلاحظ فإن القوى السورية معتمدة على الطفرات وللأسف فإن خمسة لاعبين حملوا هذه الرياضة الخصبة على مدى سبعين عاماً!!

ذهبية شرفية

في كرة القدم نال منتخبنا الوطني الميدالية الذهبية بدورة المتوسط التي استضفناها باللاذقية عام 1987، ولأن هذه الدورات على مستوى كرة القدم غير مهمة وغير معترف بها دولياً فصارت المشاركات فيها للمنتخبات دون الـ 23 عاماً، يذكر أن منتخبنا الكروي حاز على البرونزية في دورة 1951.

وحتى لا نقول إن سلة سيداتنا عريقة وحققت ميدالية برونزية بدورة المتوسط في اللاذقية 1987، فإن هذه الميدالية جاءت لعدم وجود منافسين، فثبت اشتراك منتخب تركيا وألبانيا فقط وهي دول بلا تاريخ بالسلة الأنثوية حينها، ولكي تقام البطولة استطعنا تأمين منتخب لبناني فصار المشاركون أربعة، المهم ربحنا على لبنان (70/30)  وحققنا البرونزية وللعلم خسرنا مع ألبانيا (90/46) ومع تركيا (57/47).

ضوء خافت

السباحة توجت مرة واحدة بدورة عام 1993 عبر السباح البطل هشام المصري الذي نال ذهبية 1500 م حرة، ومن يومها غابت السباحة عن الوجود، والأكثر من ذلك ألغيت كرة الماء والغطس ولم يبق لنا من المسابح إلا الماء والدورات التي باتت تهتم بالربح التجاري وتخلت عن صناعة الأبطال.

في الرماية نلنا برونزيتين بدورة 1987 التي جرت في اللاذقية عبر الرامي محمد علي محفوض برماية البندقية منبطحاً والرامي أديب برغلي برماية المسدس السريع، وهذا هو الظهور الوحيد للرماية.

وفي الجمباز هنالك ذهبية وحيدة عبر علاء الذين نعمو 1987، ونال يحيى آل رشيد فضية الجودو بدورة المتوسط 1987، كما نال فادي درويش برونزية الجودو بدورة 2009، ونالت الكاراتيه برونزيتين الأولى عبر فهد نجار 1993 والثانية عبر كريم عثمان 2009.

أخيراً هذه حصيلة رياضتنا ومن خلال الأرقام والنتائج والتاريخ نعرف مدى تراجع رياضتنا ونعرف الأسباب وطرق العلاج، ونشير إلى أن نتائجنا الأخيرة في وهران هي حصيلة سنوات الأزمة، ونتاج دورة المكتب التنفيذي الحالية لم تظهر بعد ونأمل أن نجد تحركاً يشيل رياضتنا من واقعها المؤسف ويحارب الفساد الرياضي الذي بدأ بالانتشار في كل مفاصلنا الرياضية.