رأيصحيفة البعث

كلامهم.. وفعل دمشق

أحمد حسن

على عكس “قمم” أخرى، ترافقت معها زمنياً، ولم يبقَ منها سوى اسمها وصورة “اللقاء التاريخي” للحضور، ما زالت “قمة طهران” تنتج، وتقدّم، جديدها كل يوم بأشكال مختلفة، بعضها يأتي على صورة “أيدٍ” تتشابك لتصنع عالماً جديداً، وبعضها على صورة “أيدٍ” ترتفع – وإن على مضض – استسلاماً لحقائق الواقع الراسخة وبحثاً عن “صك غفران” تشتريه بادّعاء دور جديد “يغسلها” من أدران الماضي وأوزاره، بينما بعضها الثالث يرتفع ليتحسّس رأسه في بداية موسم سقوط “الأوهام” واتضاح أفول قدرة “العراب” على حمايته نتيجة تغيّر رياح المنطقة، والعالم، باتجاه قادم مختلف.

بيد أن هذه الصور لا يجب أن تُعمي أحداً عن الحقائق والوقائع، فـ “الأيدي” التي ارتفعت استسلاماً، أو تكاد، وبدأت ألسنتها تلهج بما ليس في قلبها – وما لا يشبه سابق “بلطجتها – عن تقديم “كل أنواع الدعم السياسي” لسورية في محاربة الإرهاب باعتباره “حقاً طبيعياً” لها، تريد، أي هذه “الأيدي”، وكسابق عهدها، أن تحصر، من جهة أولى، هذا الإرهاب بما يعنيها ويتطابق مع مصالحها، متجاهلة، من جهة ثانية، أنها هي تحديداً أسّ الإرهاب وأساسه في المنطقة، وأن الحرب الناجعة معه تبدأ بتجفيف منابعه، وإغلاق طرقه، ورفع “خيمة” الحماية عنه، وذلك كله يبدأ بها أولاً وثانياً و.. عاشراً.

وبالمقارنة، فإن “الأيدي” التي ارتفعت لتتحسّس رأسها وتنقذه من هذه “المعمعة” يبدو أنها تلهج أيضاً بلسانها ما يضمر قلبها عكسه – سوابقها “ساطعة” في هذا المجال – ولا تريد في الحقيقة إلا شراء الوقت بأمل أن تمرّ هذه “الغيمة” فوقها سريعاً لتعود إلى سابق عهدها في المداهنة والمخادعة وإلى “أوهامها” السابقة ورهانها على لعبة، ولعنة، المصالح الدولية و”لعبة الأمم” التي أوصلتها، ومعها البلاد، إلى ما هي عليه اليوم، فهي، وكـ “الأيدي” السابقة، تتجاهل أن العلاج الناجع لمصاعبها ومآزقها يبدأ بمحاربة “أوهامها” والإيمان بحقيقة أن “المتغطي بالأمريكان عريان”، على ما اكتشف غيرها قبلها، واعترافها وانصياعها، تالياً، للوطن وحقائقه ومتطلباته الراسخة أولاً وثانياً و..عاشراً أيضاً.

واللافت أن ما يجمع بين الفئتين السابقتين هو سباقهما معاً نحو دمشق وصراعهما عليها لخطب ودّها و”جرّها” إلى جانبهم، متجاهلين أنها تعرف جيداً ما يضمران معاً وما يحاوله كل منهما على حدة، لذلك لم تتوقّف دمشق، وهي التي لم تغلق باب التوبة يوماً، أمام ما يحصل طويلاً، وما زالت، كما اعتادت، تقوم بما هو واجب عليها و”حق طبيعي” لها – لا منّة من أحد – في الآن ذاته، وأكثر من ذلك، فهي وكما تعرف أن الحرب على الإرهاب التي كانا، وكل على حدة، في المقلب الثاني منها وبالتالي موضوعاً لها بحكم دورهما في إشعال أوارها، لم تنطلق معهما ليتوقف مسارها عليهما، تعرف أيضاً أن “انعطافتهما” الحاصلة حالياً لم تكن “نتاجاً” لقمة طهران وحدها، فهذه الأخيرة ذاتها كانت نتاجاً لتغيّرات دولية وضعت دمشق ذاتها أساساتها المتينة بصمودها وتضحياتها خلال السنوات العديدة الماضية.

لذلك كله، شهدنا دمشق بالأمس، وهي تستمع إلى كلام هؤلاء وأولئك، وبعد أن أعلنت “جُهوزيّة عالية للتصدّي لأيّ عُدوان” من أي جهة أتى، تعيد التأكيد، وبمناسبة الذكرى السنوية السابعة والسبعين لتأسيس جيشها العربي السوري، على استمرار معجزة “شعب أبيّ يمدّ الجيش بأبنائه، ويقدّم له كل إمكاناته”، لتقول عبر ذلك للجميع: إنه شارع دمشق المستقيم مَن سلكه نجا ومن حاد عنه ضل وتاه، وإنه أملكم الوحيد فاعبروه إن كنتم صادقين.