دراساتصحيفة البعث

تايوان تحت اختبار القوة

ريا خوري

يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية عادت لاستثارة قضية تايوان لتصبح جزءاً مهماً من بنية وصلب العلاقات الأمريكية- الصينية بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لها، ضمن جولة آسيوية بدأتها أمس الأول، لتعيد من جديد تسليط الضوء على قضية مهمة لطالما أثارت أزمات دبلوماسية حادّة بين البلدين.

هذه الزيارة لا شك أنها تدخل في إطار سياسة الغموض (الاستراتيجي) التي انتهجتها الإدارات الأمريكية بشأن جزيرة تايوان. الجدير بالذكر أن الصين انتزعت اعتراف هيئة الأمم المتحدة عام ١٩٧١، ولاحقاً اعتراف الغرب الأوروبي- الأمريكي بمبدأ (صين واحدة) وعدم إضفاء أي شرعية دولية على المؤسّسات والإدارات القائمة في جزيرة تايوان.

واليوم يشهد العالم تعقيدات وصعوبات جديدة تزداد مع تزايد التوترات الدولية، وتحديداً بعد بدء الحرب في أوكرانيا، ففي ظل سياسة الغموض الاستراتيجي التي اتبعتها الولايات المتحدة، والخلافات المتفاقمة بين الصين والغرب، وفي ظلّ سعي الولايات المتحدة لمحاصرة الصين، وإضعافها عبر تشكيل أحلاف أمنية عسكرية على غرار حلفي “ايكوس” و”اكواد”، وتزايد واستمرار المصادمات والمناوشات والتحرشات المتبادلة في بحر الصين الجنوبي، رفعت القيادتان السياسية والعسكرية الصينية راية التحدي، محذّرة من أنها مستعدة لاستخدام كلّ أشكال القوة المتاحة لاستعادة جزيرة تايوان، لأنها جزء لا يتجزأ من أراضيها، حتى لو أدى ذلك إلى إشعال الحرب مع الولايات المتحدة وحلفائها حول العالم.

لقد أشعلت زيارة بيلوسي الاستفزازية الغضب الصيني من جديد، وهو ما سيرفع منسوب التوتر إلى أعلى المستويات، خاصةً وأنه لم تفلح أكثر من ساعتين من المداولات والحوار يوم الخميس الماضي بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في وضع حدّ لتفاقم النزاع، وتخفيف حدة التوتر، والخلاف حول جزيرة تايوان، بل انتهت القمة بين الرئيسين على نوع من التحذيرات المتبادلة، والتهديد المباشرة والمبطنة، حيث حذّر الرئيس الصيني نظيره الأمريكي صراحة من محاولة “اللعب بالنار” بشأن جزيرة تايوان، بينما حذر الرئيس الأمريكي بالمقابل من أي إجراءات صينية أحادية.

وسط هذه الضغوط والإجراءات، بقي الغموض الاستراتيجي الأمريكي المتعمد يخيّم على زيارة بيلوسي بذريعة الأسباب والظروف الأمنية الساخنة، لكنه في حقيقة الواقع، غموض يخفي وراءه الكثير من التساؤلات والشكوك والقلق حول وجود خلافات أمريكية داخلية، سواء داخل إدارة الرئاسة الديمقراطية ذاتها، حيث البيت الأبيض ووزارة الدفاع لم يوافقا على هذه الزيارة باعتبارها غير مناسبة في هذا الوقت، بينما رأت أجهزة الاستخبارات CIA في تخلي بيلوسي عن هذه الزيارة إضعافاً للولايات المتحدة، وتخلياً عن دعم الحلفاء الغربيين، خاصة وأن التقييمات الأمنية ترجح أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تشجع القيادة الصينية أكثر من أي وقتٍ مضى على استعادة تايوان بالقوة، أو بين الجمهوريين والديمقراطيين مع اقتراب الانتخابات النصفية، والمخاوف من استغلال الجمهوريين لأخطاء وتخبّط الإدارة الديمقراطية، وارتباكها في اكتساح تلك الانتخابات وتحقيق أهدافها، وبالتالي فإن حالة عدم اليقين في الولايات المتحدة ستبقي جزيرة تايوان تحت اختبار القوة وموازينها حتى إشعار آخر.