ثقافةصحيفة البعث

في حفل استقباله بمجمع اللغة.. الدكتور مرعي يعرض مشروعه المستقبلي حول اللغات القديمة

“ثمّة صعوبة في البحث في اللغات القديمة، وتتجلّى هذه الصّعوبة في الغوص على دررها، ويخيّل إليّ الباحث فيها أنّه في بحر لا تقتحم أمواجه، ولا تركب أثباجه، لكنّ الإصرار على البحث والتّنقيب يبعث إلى تسنم هذا الغارب، وكان الأستاذ الدّكتور عيد مرعي الباحث الذي تسنمه على الرّغم من عمق الأغوار وخطر الإبحار.. ومن النّعم على مجمعنا أن كان كلّ من الأستاذ الدّكتور عيد مرعي والأستاذ الدّكتور رفعت هزيم متخصصاً بهذه اللغات القديمة”، بعض من كلمة الدّكتور محمود السّيد رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق التي ألقاها في حفل استقبال العضو العامل الجديد، مضيفاً: يهنّئ المجمع الأستاذ الدّكتور عيد مرعي على ثقة زملائه به واختيارهم له عضواً جديداً ينضمّ إلى المجمع ليسهم في أعماله في ضوء خبراته وهو المتخصّص بلغات الشّرق القديم وتاريخه.

بدوره، قدّم الأستاذ الدّكتور رفعت هزيم بعضاً من سيرة الدّكتور مرعي العلمية والمهينة، يقول: ولد عيد سعيد مرعي في قرية زعورة في الجولان الحبيب، فلّما أنهى دراسته الجامعية بالحصول على إجازة في التّاريخ من جامعة دمشق لم يرغب الفتى في أن تكون دراسته العليا في دول لغتها الإنكليزية أو الفرنسية لأنّ الوطن العربي من المحيط إلى الخليج عانى وما يزال يعاني استعمارها، لذا اختار ألمانيا ونزل في مدينة فورتسبورج على ضفاف نهر الماين، والتحق بقسم الأكاديات في جامعتها ليدرس فيه حضارة بلاد الرافدين تاريخاً وآثاراً ولغات حتى نال درجة الدّكتوراه في عام 1985 وعاد إلى الوطن ليكون عضواً في هيئة التّدريس في قسم التّاريخ بجامعة دمشق حتّى رُقّي إلى درجة الأستاذ في عام 1998، وما يزال في عمله إلى اليوم.

ويذكرُ الدّكتور هزيم محطّات من علاقة المحبة والمودة التي جمعته بالدكتور مرعي لأنّها تنير مراحل من سيرته العلمية، موضحاً: بدأ الأستاذ عيد بنشر الأبحاث والدّراسات بعد عودته من ألمانيا، فأمّا ما كان منها مقالات فمعظمها في دورية “دراسات تاريخية” التي تنشرها جامعة دمشق وفي دورية “مهد الحضارات” التي تصدرها المديرية العامّة للآثار والمتاحف، وأمّا الكتب فكان أوّل ما عرفته منها كتاب عنوانه “تاريخ بلاد الرّافدين” أهداني نسخةً منه في نيسان 1992 في تدمر ونحن نشارك في ندوة أقامتها المديرية العامّة للآثار والمتاحف، وفي عام 1994 عندما كنت رئيساً لقسم اللغات الشّرقية بجامعة اليرموك في الأردن الشّقيق، استطعت جمع المتخصّصين باللغات القديمة، وأوصى المشاركون الأربعون وكان بينهم الدّكتور عيد في ختامها بأن تعقد النّدوة  كلّ عامين، وكانت المحطتان التّاليتان مشاركة كلينا في ندوتين نظّمتهما المديرية العامّة للآثار والمتاحف، إحداهما بعنوان: “حلب وطريق الحرير” في عام 1994، والأخرى بعنوان: “تاريخ الجزيرة السّورية” في دير الزّور في عام 1996، وشارك الدّكتور عيد في السّنوات التّالية أثناء عمله داخل وخارج الوطن في ندوات ومؤتمرات عديدة، ولكنّي لم أجتمع به ثانيةً إلّا في هيئة الموسوعة العربية بدمشق عام 2014 وكنت عضواً في اللجنة الخاصّة بتصنيف إحدى موسوعاتها وهي “موسوعة الآثار في سورية”، حيث انضمّ الدّكتور عيد إلى اللجنة ليكون مسؤولاً عن الموضوعات التي تربط بلاد الشّام ببلاد الرافدين.

ويحلّ الأستاذ الدّكتور عيد مرعي محلّ سلفه الأستاذ الدّكتور محمد محفل الذي توفّي في الثّاني من كانون الثّاني عام 2019، يقول الدّكتور مرعي: شرف كبير لي أن أكون عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق الذي يعدّ أقدم مجمع للغة العربية في الوطن العربي، إذ أسّسه الأستاذ العلّامة محمد كرد علي، وأنا ممتن جدّاً لجميع أعضائه الذين انتخبوني والذين لم ينتخبوني، وممّا يزيد في سعادتي أنّي خليفة أستاذي المرحوم الأستاذ الدّكتور محمد محفل، لقد تعلّمت منه غير قليل في مختلف ميادين المعرفة.

وتحدّث مرعي عن مشروعه المستقبلي بالقول: تؤلّف دراسة لغات المشرق العربي القديم “اللغات السّامية” قاعدةً أساسيةً لدراسة نشوء اللغة العربية وتطوّرها، فالرّوابط بين اللغة العربية وهذه اللغات كثيرة وأصيلة قديمة ومستمرة، وتبرز بوضوح ليس فقط في اللغة العربية الفصحى، بل أيضاً في اللهجات المحكية التي تعدّ خزاناً غنياً ملآن بمفردات ومصطلحات ما نزال نستعملها على الرّغم من تاريخها العتيق، وقد أنجزت قبل مدّة قصيرة دراسة معجمية عن علاقة اللغة العربية بلغات المشرق العربي القديم بالاعتماد على المعجمات المعروفة لهذه اللغات المنشورة بلغات أجنبية كثيرة، المرتكزة على نصوص قديمة أصيلة تركها أولئك الذين تكلموا بهذه اللغات وكتبوا بها آدابهم ونصوصهم المختلفة وستصدرُ قريباً عن الهيئة العامّة السّورية للكتاب، وأنوي في المستقبل أن أتابع هذه الدّراسة بدراسات تفصيلية معمّقة أكثر لعلاقة اللغة العربية بكلّ لغة أو لهجة من هذه اللهجات كالإبلوية والأوجاريتية والفينيقية والآرامية، ولن أنسى دراسة لهجات العرب القديمة الشّمالية والجنوبية الكثيرة كالصّفوية والثّمودية والليحانية وغيرها من اللهجات التي ما تزال آثارها باقية في بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، مضيفاً: إنّ الأمانة العلمية تحتّم علينا العودة إلى النّصوص القديمة المكتوبة بهذه اللهجات المتاحة لنا في مكتبتنا المتواضعة، وفي بعض المكتبات الأخرى التّخصصية كمكتبة المتحف الوطني بدمشق وبالاعتماد على ما تقدّمه لنا الشّابكة من نصوص ودراسات أكاديمية رصينة.

نجوى صليبه