دراساتصحيفة البعث

“ملحمة” بيلوسي التايوانية

هناء شروف

أجرى قادة أكبر قوتين في العالم محادثة صريحة عبر رابط فيديو يوم الخميس الماضي، حيث ركز الرئيس شي جين بينغ على مسألة تايوان، وأبلغ الجانب الأمريكي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للصين. من ناحية أخرى وفي بيان صحفي قصير للبيت الأبيض، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن سياسة واشنطن صين واحدة “لم تتغيّر”.

جرى الحديث بين الرئيسين قبل أن يبدأ وفد برئاسة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي جولة في آسيا مع توقفها في تايوان، ما يعني أن القيام بذلك دون إصدار بيان يؤكد أهمية مبدأ “صين واحدة” ستضع إدارة بايدن أهم العلاقات الثنائية على المحك، وستعرّض العلاقات الصينية الأمريكية والسلام والاستقرار عبر المضيق للخطر.

يعرف بايدن أن الصراع المفتوح مع الصين ليس خياراً في هذه المرحلة، وخاصةً عندما تكون الولايات المتحدة متورطة بشكل غير مباشر في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، لكنه لا يجرؤ على قول ذلك بسبب الإكراهات السياسية.

صحيح أن السياسة تهدف إلى تحسين الحكم وحلّ المشكلات، لكن السياسيين حولوها إلى “لعبة إلهاء”، يعرّفون فيها أولاً على الدولة على أنها عدو، ويخبرون الناس أن بلدهم تحت التهديد، وينسبون كل المشكلات إلى الدولة المعادية، ويستمرون في تكرار الشيء نفسه حتى يأتي الناس إلى تصديقه، ويتبعون السياسيين بشكل أعمى، ويصوتون بأعداد كبيرة لهم إيماناً منهم بأنهم سينقذون البلاد، وبالتالي يؤدي هذا السلوك إلى بناء نظام الدائرة المغلقة الذي يستخدمه بعض السياسيين للبقاء في السلطة. وغنيّ عن القول إن تركيز هؤلاء السياسيين ينصبّ دائماً على الفوز في الانتخابات المقبلة، وليس على معالجة القضايا الحقيقية، وبايدن ليس استثناء.

ما هي المشكلات الحقيقية التي تواجهها الولايات المتحدة؟. لا شك أن الاقتصاد المتباطئ، والتضخم المتزايد، وعدم المساواة العرقية، وزيادة عنف السلاح هي أكبر المشكلات.

وللحدّ من التضخم، تحتاج الإدارة إلى خطة شاملة وتنفيذ سليم، وللقضاء على عدم المساواة العرقية تحتاج الحكومة إلى إصلاح شامل لنظام الرعاية الاجتماعية، والذي بدوره سيتطلّب تغييرات أساسية. ومع ذلك، فإن السيطرة على الأسلحة تبدو مستحيلة بالنظر إلى البنية الدستورية والاجتماعية للولايات المتحدة.

على هذا النحو، اختار بايدن وغيره من قادة الحزب الديمقراطي الطريقة السهلة، ولكن غير المسؤولة لكسب أصوات الأمريكيين: تحويل انتباههم عن معاناتهم وألمهم. ربما يعتقد الرئيس الأمريكي أنه بفضل الإستراتيجية العبقرية سيكون لديه فرصة أفضل لكسب أصوات الشعب مرة أخرى في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني المقبل. لكن لا تستطيع الإدارة حلّ أيّ من مشكلاتها باللعب بورقة تايوان، وبدلاً من ذلك سيزيد الوضع سوءاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويزيد من تدهور العلاقات الصينية الأمريكية، وستنتهي الولايات المتحدة بدفع ثمن استخدام مثل هذه الأساليب. وقد يميل الناخبون الأمريكيون الذين تغمرهم الكراهية وإثارة الخوف إلى انتخاب أعضاء أكثر تطرفاً في الكونغرس، نتيجة لذلك سيتعيّن على المشرّعين اتخاذ خطوات أكثر جذرية للامتثال للجو الاجتماعي السام.

يخبرنا التاريخ أن جميع القوى العظمى قد انهارت من الداخل، لذلك يجب على بايدن التوقف عن ممارسة الألعاب والقيام بما وعد به، وأن يتوقف عن التدخل في مسألة تايوان، بل والأهم يجب ألا تختبر الولايات المتحدة تصميم الصين على حماية سيادتها، وسلامة أراضيها، وتحقيق إعادة التوحيد الوطني.