دراساتصحيفة البعث

فشل الخطة الأمريكية لإدارة عائدات النفط الليبي

هيفاء علي

أعلن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي عزمه “وضع إدارة عائدات النفط الليبي تحت المسؤولية الحصرية لليبيين”، ما اعتبره مراقبون إخفاقاً لخطة السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند الهادفة إلى وضع آلية دولية لإدارة تلك العائدات، حيث حاولت الخطة الأمريكية تجميد العائدات مؤقتاً في حساب بالمصرف الليبي الخارجي “فورينغ بنك”. وبالتالي، فإن محمد المنفي كان أول مسؤول يرفض إدارة دولية لعائدات النفط الليبي، عندما أدلى ببيان خلال لقائه مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، في العاصمة الزامبية لوساكا، والذي شبّه فيه الخطة الأمريكية ببرنامج الأمم المتحدة “النفط مقابل الغذاء” الذي تمّ إطلاقه في العراق عام 1995.

وليس هذا فحسب، بل تمّت إقالة مدير شركة النفط الوطنية الليبية، مصطفى صنع الله، وهو شخصية مدعومة من الغرب، ما يعتبر أيضاً انتكاسة أخرى للخطة الأمريكية الرامية إلى السيطرة على عائدات النفط، وتحديد بدائل النفط والغاز الروسي، وهذا ما تريده وتسعى إليه واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون. وبالطبع معروف للجميع أن أحد أبعاد الصراع الليبي يركز على الثروة والنفط، حيث يسعى كلّ طرف من الأطراف الأجنبية للهيمنة عليه، أو على الأقل أخذ حصته من هذه الثروة. على الرغم من محاولة إضفاء طابع ليبي على آلية إدارة الإيرادات المالية، إلا أن الحقيقة تبقى أن الإشراف سيكون دولياً، وأمريكياً بشكل أساسي، من خلال شركة محاسبة دولية، حيث يثير وضع عائدات النفط في بنك خارجي القلق في ليبيا التي تخشى خسارة ملايين الدولارات تحت غطاء تعويضات لأفراد أو شركات أجنبية، كما حدث في دول أخرى كالعراق وأفغانستان.

تمّ الالتفاف على الخطة الأمريكية واعترف السفير الأمريكي بعدم التوصل إلى نتيجة نهائية فيما يتعلق بإنشاء آلية لإدارة عائدات النفط رغم المشاورات الجارية على مستوى “مجموعة العمل الاقتصادي” ومع الشركاء الليبيين. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه حتى الرغبة التي أعربت عنها واشنطن بتجميد عائدات النفط مؤقتاً لم يتمّ احترامها من قبل الليبيين. وكان السفير الأمريكي قد أشار في نيسان الماضي إلى أن شركة النفط الوطنية حوّلت إلى مصرف ليبيا المركزي ستة مليارات دولار.

وعلى الرغم من انتقادات الدبلوماسي الأمريكي لتحويل شركة البترول الوطنية لهذه الأموال إلى البنك المركزي، وبالتالي إلى حكومة الوحدة الوطنية، اعتبر نورلاند أن مصطفى صنع الله تعرّض “لضغوط هائلة من مختلف الأطراف لفعل شيء بهذه الأموال”، لذلك عارضت واشنطن إقالة صنع الله، أحد شركائها الرئيسيين في تنفيذ آلية إدارة عائدات النفط، ودعمت الإجراءات التي اتخذها الرئيس السابق لشركة النفط الوطنية، الذي لجأ إلى العدالة لتقديم شكوى ضد الحكومة التي اتخذت قرار فصله.

ومع ذلك، فإن الإجماع بين حفتر والدبيبة على إقالة صنع الله، واستبداله بفرحات بن قدارة على رأس المؤسسة الوطنية للنفط، وكذلك إنهاء الحصار المفروض على المنشآت النفطية، جميعها عناصر توضح فشل الخطة الأمريكية جزئياً حتى الآن.

وعليه، سيؤدي الإجماع غير المعلن إلى حقيقة أن سلطة إدارة الإيرادات المالية ستكون في أيدي حكومة دبيبة، بالتنسيق مع حفتر، الأمر الذي سيزيل السيطرة الأمريكية والأوروبية على عائدات النفط الليبي، وهو إجراء من شأنه بالتأكيد الحفاظ على إيرادات النفط، ومنع وقوعها بأيدي الأمريكان أو الأوربيين.

بكل الأحوال، إن الرفض الصريح الذي صاغه رئيس المجلس الرئاسي، وهو أول رفض من نوعه لمسؤول ليبي، لرفض “إدارة الأموال من قبل غير الليبيين”، هو جزء من الاهتمام بمنع وضع البلاد وإيراداتها واحتياطاتها من العملات الأجنبية، تحت إشراف دولي.