زواياصحيفة البعث

ليس مصادفة تحوّل أوكرانيا إلى سوق للسلاح

ربما من السذاجة القول: إن وزارة الدفاع الأمريكية عندما تعقد صفقات تسليح مع نظام معيّن أو جهة معيّنة في هذا العالم، لا يمكنها التأكد من طبيعة استخدام هذه الأسلحة من الطرف الآخر، فهي في كل صفقة تتحكم إلى حدّ ما بنوعية السلاح وفعاليته وقوّته التدميرية ومداه، وما إلى ذلك من الأمور التي تتعلّق بمواصفاته، وحتى بالوجهة التي يجب أن يستخدم فيها هذا السلاح.

وبالتالي فإن “البنتاغون” يعلم بالتفصيل إلى أين يتم توجيه السلاح الذي يرسله إلى من يسمّيهم حلفاءه في العالم، والقول: إن واشنطن لا تدري إلى أين يذهب السلاح فيما بعد فيه الكثير من التسطيح، فقد تركت القوات الأمريكية قبل انسحابها من العراق الكثير من الأسلحة التي ظهرت فيما بعد بأيدي الجماعات الإرهابية التي نشأت أثناء وجودها في هذا البلد، وخاصة تنظيم “داعش” الإرهابي، وكذلك تركت حجماً هائلاً من السلاح الأمريكي المتطوّر في أفغانستان أثناء انسحابها المفاجئ منها، ولم يعُد سرّاً أن الولايات المتحدة هي التي أشرفت على صناعة هذه التنظيمات الإرهابية في مهدها، ابتداء من أفغانستان وليس انتهاء بالعراق، وهي تشرف الآن على صناعة نمط آخر من هؤلاء في أوكرانيا، والدليل على ذلك اعترافات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون حول قيام واشنطن بصناعة هذه التنظيمات وتسليحها لإخضاع الدول التي لا تخضع لهيمنتها، أو لمحاربة دول أخرى وخاصة روسيا والصين، حيث تقول كلينتون في كتابها «خيارات صعبة» الصادر باللغة الإنكليزية: “إنّ الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس «داعش» من أجل مخطط تقسيم الشرق الأوسط”.

وعندما نرى قناة مثل “CBS” الأمريكية تحاول إيصال رسالة من خلال فيلم وثائقي جديد لها، مفادها أن معظم المساعدات العسكرية التي تقدّمها الدول الغربية لأوكرانيا لا تصل إلى وجهتها النهائية في هذا البلد، فإن ذلك مقدّمة للتنصّل من قيام واشنطن صراحة بزراعة التنظيمات الإرهابية داخل أوروبا ليكونوا سلاحاً لها فيما بعد داخل أوروبا، غرباً وشرقاً، مع أن الإدارة الأمريكية لا تهتمّ كثيراً بمن تسمّيهم حلفاءها لأن الغاية تبرّر الوسيلة وهي نشر السلاح على هذا النحو الكارثي في أوكرانيا وتدمير المنافسين لها في كل من أوروبا وروسيا وتحويلهم إلى مستهلكين.

والقول: إن إشراف الولايات المتحدة على الأسلحة المورّدة إلى أوكرانيا ينتهي عند الحدود البولندية فيه الكثير من الاستغباء، لأن المفروض أن هناك نظاماً قائماً في كييف هو المسؤول عن استلام هذا السلاح والتأكد من وجهته، إلا إذا سلّمنا أن هذا النظام بالفعل يقوم بالإشراف على إيصاله بشكل مباشر إلى الجماعات الإرهابية، وهو الأقرب إلى التصديق.

وإذا اجتمعت مسألة نشر السلاح الغربي بهذه العشوائية الممنهجة في الداخل الأوكراني، مع انتشار مماثل للمرتزقة الأجانب والتنظيمات الإرهابية، فعندئذ يكتمل السيناريو الأمريكي بتحويل أوروبا مجتمعة إلى أرضية خصبة للحروب والصراعات تتم تغذيتها دورياً بالسلاح الأمريكي، على غرار أفغانستان، الأمر الذي يؤمّن تغذية مستدامة لتلك الشركات، ويحوّل أوروبا بالمجمل إلى مستهلك للبضاعة الأمريكية.

لذلك ليس من باب المصادفة أن تتحوّل أوكرانيا إلى سوق سوداء للسلاح الغربي كما أكد المسؤولون الروس غير مرة، لأن الأمر يتم العمل عليه بشكل مقصود وهو غاية بحدّ ذاته، ما دامت الولايات المتحدة تعدّ نفسها جزيرة منفصلة عن العالم.

طلال ياسر الزعبي