..وإنه لـ”فجر إسرائيلي” كاذب
أحمد حسن
يعرف الجميع أن الصمت الدولي هو ما يشجّع “إسرائيل” على ارتكاب جرائمها في فلسطين وبقية بلاد العرب، ويعرفون أيضاً أن التواطؤ والحماية المطلقة من العقاب هما ما يساعدانها على تكرارها باطمئنان كامل، وأن هذا الصمت وذاك التواطؤ هما ما يدفعانها، بالنتيجة، إلى الاستخفاف بكل القوانين والشرائع الدولية، والاستخفاف أيضاً بالوسطاء ووساطاتهم – إلا مجبرة – والاعتداء، تالياً، على كراماتهم ومواقعهم “الدولية”، وبالتالي يصبح من الطبيعي أن يطول عدوان المجرم كل شيء ومن ذلك اللغة ومصطلحاتها، فيطلق على عدوانه الظلامي الموصوف تسمية “بزوغ الفجر” استمراراً لمحاولته “كيّ” وعي الضحية بهدف جعلها جاهزة للاستلاب الكامل والنهائي.
لكن الجميع، أيضاً، يعتقدون – أو كانوا كذلك – استناداً إلى دروس وتجارب التاريخ، أن لهذا كله سقفاً محدّداً لا يتجاوزه أحد، بيد أن “إسرائيل” وواشنطن أثبتتا خطأ هذا الاعتقاد فهما تخترقان ما يظُن، كل يوم، أنه آخر سقف من الفجور لهذه القاعدة وصولاً إلى.. القاع.
فـ “إسرائيل” ولأسباب عدة، بعضها انتخابي داخلي، بينما بعضها الآخر يتعلق بالحرب مع محور المقاومة بكامله وضرورة ترميم صورتها المتداعية، عمدت هذه الأيام، كما اعتادت دائماً، إلى سفك الدم الفلسطيني – والعربي حينما يتيسر لها ذلك – قرباناً لها على هذا الطريق، فهي تعرف أن الغطاء الدولي و.. العربي لما تفعله جاهز وموجود دائماً، ولن يتعدّى الأمر في أفضل الأحوال بيانات التنديد الدولية المتفرّقة والعربية “الجامعة” تطالب “المجتمع الدولي” – لا أنفسهم – بالقيام بدوره، مع استمرار بعضهم في ممارسة دور الوسيط الدائم، والأهم رغم استخفاف “إسرائيل” الواضح بهم وبوساطتهم التي كانت بعض حلقاتها جارية على قدم وساق خلال العدوان الأخير، والتي خضعت لها بالأمس لكن ليس بالمطلق بل كمحطة توقف إجبارية في طريق العدوان المستمر.
بيد أن واشنطن، وكعادتها، تجاوزت توقعات الجميع مقدّمة درساً جديداً في التواطؤ المجرم، فهي أكدت في بياناتها المتعدّدة حول ما يجري دعمها “بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”! رغم اعتراف “تل أبيب” ذاتها بأنها هي من بدأ هذه الجولة الأخيرة من الدماء، ثم “ارتقت” درجة في الإنسانية واحترام القانون الدولي لتطالب بتحقيق شفاف بسقوط مدنيين لكن “في الوقت المناسب”، ثم “حثّت” القاتل والقتيل “على ضبط النفس”، مقدمة بذلك “لبنة” جديدة لـ”الجدار الدبلوماسي المنيع” الذي بنته منذ عقود في مجلس الأمن أمام كل محاولة ليس لإدانة إسرائيل وتجريمها بجرائم علنية موصوفة ارتكبت في وضح النهار فقط بل لمنع مجرّد توجيه اللوم المعنوي الخجول لها.
هذا ما يحدث منذ منتصف القرن الماضي فيما يمكن اعتباره من أكبر الجرائم المستمرة عبر التاريخ، وهكذا يفلت القاتل من العقاب وتُترك الضحية وحيدة، بعد أن ظلمها العالم وأنكرها بعض أهلها “ثلاثاً” قبل صياح الديك، ثم يُطلب منها أن تقيم سلاماً “حقيقياً” مع القاتل، وذلك في حقيقته ليس إلا “استسلاماً” نهائياً له.
لكن ما يتجاهله المجرم ومن يقف خلفه أن “الضحية” لا تملك “ترف” الاستسلام للقاتل، ولا التخلي عن الحقوق المشروعة، و”غير القابلة للتصرّف للشعب الفلسطيني”، وأن من بين أهلها من اختار الحياة والمقاومة حتى النفس الأخير، وهؤلاء لا يكتفون فقط بمواجهة العدوان العسكري واستعادة الأرض السليبة، بل يقومون أيضاً بتصحيح التعابير والمصطلحات واستعادة ما سُرق منها، فكان لهم وحدهم “بزوغ الفجر” الصادق.
تلك مسؤوليتهم، وقدرهم أيضاً.