أخبارصحيفة البعث

المقاومة تفرض شروطها.. والاحتلال يفشل في تحقيق أهداف العدوان

تحليل إخباري:

“ليست مثل المواجهات السابقة”.. ربما يكون هذا ما توصّل إليه المحللون الإسرائيليون في أعقاب المواجهة الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية في غزة ممثّلة بحركة الجهاد الإسلامي التي ظنّ العدو أن بإمكانه فرض شروطه عليها في عدوانه الأخير على قطاع غزة المحاصر، حيث حاول طوال الأيام الثلاثة من عدوانه الإيحاء لجمهوره في الداخل بأن الأمر تحت السيطرة وبأنه قادر على صناعة معادلة جديدة مع المقاومة الفلسطينية، ولكن ردّ حركة الجهاد الإسلامي الصاروخي المباشر على قيام العدو باغتيال القيادي في الحركة تيسير الجعبري، أجبر العدو على قراءة المشهد جيّداً واستجداء الهدنة عبر الأطراف الإقليمية التقليدية التي تعمل عادة على تحقيق هذا الأمر.

وبالفعل دخل وقف إطلاق النار الأحد حيّز التنفيذ، بعد أن نجحت الحركة طوال أيام العدوان بقصف مستوطنات “الغلاف” ومدن المركز المحتلة ومواقع العدو بوتيرة متصاعدة. وكما جرت العادة، رفع العدو سقف أهدافه مهدّداً قيادات حركة الجهاد ومعلناً أنه يريد تحقيق وقف منظومة إطلاق الصواريخ وهو ما فشل في تحقيقه، إذ انهالت على مستوطناته صواريخ الجهاد قبل وقت قصير من بدء التهدئة، مؤكدة أنها لا تزال حاضرة بقوّة لمواجهته في حال أي اعتداء، الأمر الذي أعلنه أمينها العام زياد نخالة، قائلاً: “بتنا اليوم أقوى، فرضنا شروطنا، وهي تثبيت وحدة الساحات، وإطلاق سراح خليل العواودة، والشيخ بسام السعدي”، مهدّداً بعودة إطلاق النار “حال إخلال الاحتلال بأيّ من بنود الاتفاق”.

فالتهدئة التي جاءت عقب اتصالات مصرية مكثفة رافقت أيام العدوان، مدفوعة برغبة إسرائيلية بإيقاف الأمور عند هذا الحدّ، تجنّباً للإطالة وبالتالي الدخول في مواجهة أوسع ستكون بلا شك أشدّ إيلاماً للكيان العاجز عن تحديد مآلاتها، أكدت مرّة أخرى أن العدو الصهيوني عاجز عن خوض حرب طويلة الأمد، وأنه كلما طال أمد الحرب تزعزعت ثقة المستوطن الإسرائيلي بقدرة جيشه على حمايته، وبالتالي تصبح ما تسمّى “الجبهة الداخلية” عبئاً على صانع القرار في الكيان، وهو ما أشار إليه سماحة السيد حسن نصر الله في حديثه الأخير، من أن العدو الإسرائيلي يحسب حساباً لمجتمعه الداخلي غير المؤهّل للحرب الطويلة، وهذا درس من دروس الحرب مع هذا العدو.

وبغض النظر عن جميع الادّعاءات “الإسرائيلية” حول هذا الأمر، فإن تصريحات مسؤوليه تفضحه، حيث صرّح العميد احتياط في جيش الاحتلال تسفيكا فوغل، بأن “الإنجاز الوحيد للعملية هو أننا أزلنا التهديدات بتنفيذ هجوم مضاد للدروع، لكن للأسف لم نتمكن من إعادة الجنود الأسرى والمفقودين من غزة”، وهذا يؤكد أن العدو لم يتمكن بنتيجة العدوان حتى من الحديث عن أسراه.

وقد أشار موقع والا العبري نقلاً عن مسؤولين “إسرائيليين” كبار إلى أنه “لم نكن نقدّر أن اعتقال بسام السعدي في جنين سيؤدّي إلى التصعيد، أدركنا أن الجهاد لن يهدأ، دون اتخاذ إجراءات كبيرة ضدنا وكان من المستحيل الاستمرار في إبقاء غلاف غزة تحت الحصار”.

ووفقاً للمراسل السياسي “الإسرائيلي” باراك رافيد، فإن رئيس “الشاباك”، رونين بار، رأى أيضاً أن “العملية حقّقت أهدافها، وأنه يجب العمل على إنهائها قبل أيّ أخطاء قد تُورّط إسرائيل في عملية أوسع لا تريدها”، وهذا يشكّل إقراراً بأن العدو عاجز بالفعل عن القيام بعملية واسعة تترتب عليها خسائر كبيرة في جنوده وجبهته الداخلية.

فالعدوّ أقرّ، وفقاً لـ”القناة 12 العبرية” بإطلاق 990 صاروخاً باتجاه مستوطناته ومدنه “اعترض نظام القبة الحديدية حوالي 380 منها”، حسب زعمه، مضيفاً، حسب القناة 14 العبرية: إن “صفارات الإنذار فُعّلت أكثر من 360 مرة في جميع أنحاء البلاد، وشهدت سديروت أكثر من 45 إنذاراً و43 إنذاراً في ناحال عوز”.

وبالمحصلة تمكّن العدو الصهيوني كالعادة من تحقيق إنجازه الوحيد وهو ارتكاب المجازر بحق العائلات الغزية التي بدأت بلملمة جراحها بعد الجرائم التي اقترفتها طائرات الاحتلال، إذ بلغت حصيلة العدوان 44 شهيداً منهم 11 طفلاً و4 سيدات و360 إصابة بجراح مختلفة، وفقاً لتقرير وزارة الصحة الفلسطينية.

وأشارت قوات الاحتلال إلى إعادة فتح المعابر مع قطاع غزة، بدءاً من الساعة التاسعة صباحاً “ووفقاً لتقييم الوضع، سيتم إعادة فتح المعابر والعودة إلى حالة الروتين (الكاملة) وفقاً لتقييم الوضع والهدوء الأمني في المنطقة”، حسب الاحتلال.

ونقل موقع “فلسطين اليوم” عن صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” وصفها “العملية العسكرية الأخيرة في غزة ضد الجهاد الإسلامي بأنها فشل ذريع للسياسة الإسرائيلية في القطاع”، مندّدةً “بتكرار هذه العمليات العسكرية، وما ينجم عن ذلك من تعطيل لحياة الإسرائيليين”، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى أن الحال الذي وصلت إليه مستوطنات العدو ومدنه الكبرى على خلفية صواريخ المقاومة التي انهالت عليها كانت السبب الرئيس في استجداء الهدنة من المقاومة، وأن العدوّ لم تكن له اليد الطولى في هذه المواجهة، وأن المقاومة حريصة على حماية الشعب الفلسطيني الذي يكون دائماً هدفاً للجرائم الإسرائيلية.

وقد رأى الخبير في الشؤون الإسرائيلية علي حيدر، في مقال له في صحيفة الأخبار، أن العامل المباشر الذي دفع العدو إلى شنّ عدوانه الأخير، تمثّل في تداعيات اعتداءاته في الضفة على مستوطنات “غلاف غزة”، لذا، فإن “إسرائيل” تهدف من الضربات التي وجّهتها بشكل أساسيّ إلى «الجهاد»، حتى الآن، إلى محاولة كبح نتائج معركة “سيف القدس”، التي لا تزال تتوالى بفعل صمود المقاومة وتصاعد قدراتها. وهي محاولة ربّما ستتّخذ منعطفاً خطيراً، سيؤدّي إلى اتّساع نطاق المواجهة، في حال قيام الصهاينة المتطرّفين باقتحام المسجد الأقصى في ذكرى “خراب الهيكل” في التاسع من آب، حيث سيفتح تطوّر كهذا الباب أمام توسّع نطاق المواجهة، وهذا ما لا تريده “إسرائيل” لأنها اعتادت على التعامل مع طرف واحد في مواجهاتها، وتعلم أنها لن تتمكّن مطلقاً من التعامل مع ساحات مفتوحة على أكثر من جبهة، حيث تعمل أساساً على مبدأ “فرّق تسُد”.

طلال ياسر الزعبي