مجلة البعث الأسبوعية

بعد سبع سنوات من الحرب…. الهدنة سارية 2021 عام الانتصارات الحقيقية….  2022 عام اليمن العظمى

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

بعد أكثر من 7 سنوات من الحرب الضروس على اليمن من قبل التحالف الذي شكلته مملكة آل سعود في البداية، ومن ثم تفكك وباتت المملكة هي المعتدي الوحيد على هذا البلد الذي كان سعيداً يوماً ما، لا يبدو هناك أي بريق للأمل يلوح في الافق في انتهاء هذا العدوان في المدى المنظور على هذا المحيط المنسي من العالم، والذي كان ضحية حرب شرسة دمرت البنى التحتية، وتسببت بنزوح 4 ملايين يمنى، وسقوط أكثر من 377 ألف شهيد حتى الآن عدا عن أنها تسببت بواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، بالإضافة الى تفشي الأوبئة والأمراض خاصة عند الأطفال وكبار السن، وأزمة الغذاء غير المسبوقة بسبب الحصار الجائر على الموانئ ما تسبب بنقص الأدوية و المواد الغذائية، حيث تفيد آخر البيانات بتعرض 18 مليون شخص لخطر سوء التغذية، ووجود 17،8 مليون شخص آخرون بحاجة إلى المياه النظيفة والصرف الصحي، بينما هناك 21،9 شخص يفتقرون الى الرعاية الصحية الأساسية.

سبعة أعوام من الحرب التخريبية الهمجية والتمديرية على اليمن، اتحدت فيها جيوش ومرتزقة العالم لضرب اليمن ومحاصرته وقتل شعبه بدم بارد، شعب جريمته الوحيدة أنه يريد التحرر من الوصاية الأمريكية –السعودية. والجريمة التي ارتكبها شعب اليمن هي أنه قرر أن يكون شعباً حراً في دولة مستقلة وذات سيادة، ورفضه أن يكون تابعاً لأي دولة، تماماً كرفضه أن يحكمه ممثل الوصاية الأمريكية على اليمن، فكانت عقوبته تشكيل تحالف مكون من عشر دول عربية، ومن ثم انضم إليه عدة دول عربية!، وأمريكا وبريطانية وفرنسا، والكيان الإسرائيلي ليصبح عدد الجيوش التي شاركت في هذا العدوان السافر 22 جيشاً. لكن رغم ذلك صمد اليمن، وألحق خسائر فادحة بهذا التحالف الشيطاني.

اليمن قوة إقليمية

بعد سبع سنوات أصبحت الحرب تلاحق الذين أشعلوا فتيلها، فلم يعودوا يملكون قرار استمرارها أو وقفها، فلكل من الخيارين تبعاته السياسية والقانونية والأخلاقية، فقد أصبح اليمن قوة إقليمية محصنة بتجربتها العسكرية التي تحولت إلى كابوس يضغط على أعدائها. وبدلاً من أن يكون هناك تفوق نوعي كاسح لها “بفضل” الأسلحة الأمريكية والفرنسية، استعاد اليمنيون المبادرة، واستطاعوا خلق معادلة جديدة على أساس “توازن الرعب”، وأصبحوا أكثر اعتماداً على الصواريخ والطائرات المسيّرة، وهو ما لم يكن ضمن حسابات المعتدين الذين خططوا للحرب. فما إن تستهدف مواقع يمنية حتى يأتي الرد اليمني سريعاً، ما أفقد المعتدين ميزة التفوق الحاسم. ومن المؤكد أن صور ضحايا المجاعة التي تعصف باليمن كانت عاملاً في تشويه صورة المشاركين في الحرب.
فأي ضمير لا يتحرك حين تنتشر صور الأطفال الذين أصبحوا هياكل عظمية نتيجة الجوع وسوء التغذية؟. وبرغم الحصار الإعلامي على اليمن، فقد ساهم تعاطف الجهات الحقوقية والإعلامية في إظهار بعض جوانب الحرب، خصوصاً الحصار المفروض على المطارات والموانئ.

الأسلحة الامريكية

في 2 نيسان 2022، دخل وقف إطلاق النار الذي اقترحته الأمم المتحدة حيز التنفيذ في اليمن، مما سمح بتعليق الهجمات العسكرية، حيث تمثل الهدنة أول اتفاقية عالمية في حرب أهلكت شعباً وتسببت في مجاعة. وهناك معلومات تقول أن إدارة العجوز بايدن كانت تفكر منذ بعض الوقت في رفع محتمل للحظر المفروض على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، حيث يعلم الجميع أنه منذ بداية الحرب، تم على نطاق واسع توثيق كيف استخدم التحالف الذي تقوده السعودية الأسلحة الأمريكية لارتكاب جرائم الحرب بحق الشعب اليمني، مما يثبت، وللمرة الألف تواطئها ومسؤوليتها عن الجرائم التي ارتكبتها السعودية. ونفس الأمر ينسحب على فرنسا التي هي الأخرى زودت السعودية بمختلف أشكال و أصناف الأسلحة عند شنها لهذا العدوان. فمنذ عام 2015، زودت الولايات المتحدة السعودية بأسلحة بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى التدريب والدعم اللوجستي. وقد تم استخدام الأسلحة والموارد في 21 هجوماً على الأقل ضد مناطق مأهولة بالسكان، وبالتالي انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.

وبعد سبع سنوات من اندلاع الحرب، لا تزال الهجمات تلحق أضراراً جسيمة بالمدنيين، الذين دفعتهم أهوال الحرب إلى النسيان، كما تسببت الحرب ولا تزال بالجوع وانتشار الأمراض، كما كان الحال في عام 2015 بعد أسوأ وباء للكوليرا في العالم، حيث كان وباء الكوليرا هو نتيجة مباشرة بعد عامين من الحرب الدموية. كما أدى انهيار شبكات المياه والصرف الصحي إلى حرمان 14.5 مليون نسمة من الوصول اليومي إلى مياه الشرب ومرافق الصرف الصحي الملائمة، مما أدى إلى انتشار نواقل العدوى.

تم تجديد وقف إطلاق النار في 2 آب الجاري، وأدى إلى زيادة المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها 75٪ من السكان و90٪ من الواردات الغذائية.

دور السلاح الفرنسي

كانت وسائل الإعلام الفرنسية قد فضحت دور السلاح الفرنسي في الحرب على اليمن بعدما كشف تحقيق مطول أجراه موقع مجلة ” ديسكلوز” الاستقصائي، حيث ناقض الخطاب الفرنسي الذي ينفي وجود أسلحة فرنسية في اليمن. وقد زعم المسؤولون الفرنسيون وجود السلاح الفرنسي بحوزة القوات السعودية والإماراتية إلى أنه دفاعي، وليست له أي أغراض هجومية. لكن العديد من المعلقين والكتّاب والنخب وناشطي حقوق الإنسان علّقوا على تقرير “ديسكلوز” باعتباره أسقط القناع، وكشف حقيقة الدور الفرنسي في الحرب، مثلما كتب المرشح عن “حزب الخضر” للانتخابات الأوروبية، جوليان بايو، عبر “تويتر”: “كذبة الدولة انفضحت. فرنسا متواطئة مع السعودية في الحرب القذرة على اليمن. فلنتوقف عن بيع الأسلحة، على غرار ما فعلته ألمانيا”.

وكما جرت العادة، تتملص الحكومات الغربية من التبعات القانونية والإنسانية لمشاركة بلادها في الحرب على اليمن، سواء من خلال الحضور الفني المباشر لقواتها، أو من خلال استخدام السلاح في قتل المدنيين، وإيقاع مجازر ضد الشعب اليمني. ففي رد مكتوب صادر عن مكتب رئاسة الوزراء، أكدت الحكومة الفرنسية أن الأسلحة الفرنسية المملوكة لأعضاء التحالف موضوعة على حدّ علمنا بأكثريتها في مواقع دفاعية خارج الأراضي اليمنية أو في مواقع تابعة للتحالف، ولكن ليس على خط الجبهة. كذلك نفت رئاسة الحكومة الفرنسية علمها بسقوط ضحايا مدنيين جراء استخدام هذه الأسلحة على مسرح الأحداث في اليمن.

لقد أثار تقرير “ديسكلوز” نوعاً من الاستغراب في أوساط النخب الفرنسية، رغم أنها ليست المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب عن الدور الفرنسي في اليمن. فقد جرى الحديث في وقت سابق عن مذكرة استخبارية فرنسية تحدّد من يستخدمون الأسلحة الفرنسية في الحرب، ومدى تأثيرها على السكان المدنيين. ومع أن التقرير الأخير أثار زوبعة إعلامية في الوسط الفرنسي، إلا أن ذلك لن يغير، على الأغلب، من حقيقة أن العدوان على الشعب اليمني منذ لحظاته الأولى جاء بقرار ومشاركة غربية. ولا تزال هذه الدول الكبرى تنخرط وفق أدوار ومهمات موزعة عليها، وعلى رأس تلك الدول الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. كما يُذكر أن الخبراء العسكريين والإستراتيجيين، وأيضاً الخبراء الفنيين، على علم بحجم الانخراط الغربي في الحرب من خلال تطور القدرات الفنية الدقيقة للطيران الحربي التابع لكل من السعودية والإمارات، وهي قدرات لم تكن موجودة قبل الحرب.

كما سلمت فرنسا في سنة 2017 إلى الرياض ما يساوي 1،4 مليار يورو من الأسلحة، وهو رقم يفوق مبلغ مبيعات السنوات السابقة التي كانت أصلاً مرتفعة: 1 مليار في 2016 وتسعمائة مليون يورو من الأسلحة في 2015. وإن كانت الشفافية ما تزال غائبة، فإن هناك عقود جديدة قد أُبرمت. تفسر هذه القرابة الاقتصادية العسكرية مع بلدان الخليج لماذا تلعب الحكومة الفرنسية دور “مُشعل النيران” باليمن، مُخاطِرة بأن تتهم بالتواطؤ في جرائم حرب. وكانت المنظمات غير الحكومية قد أعربت في سنوات 2016 عن قلقها البالغ للوضع الإنساني وجرائم الحرب في اليمن، ولكن هذا لم يمنع السلطات الفرنسية في أخذ قاذفات “دبابات لوكلير” على وجه السرعة من مخازن الجيش الفرنسي لترسلها إلى الإمارات. وعندما قامت هذه الأخيرة باحتلال “سقطرى” في أيار 2018 بنفس الدبابات وضد إرادة الحكومة اليمنية، خرج سكان الجزيرة إلى الشوارع للاحتجاج، ولم يمنع هذا وزارة الدفاع الفرنسية من تنظيم بعد 4 أشهر من ذلك تدريباً عسكرياً مشتركاً مع أبو ظبي.

على الرغم من تراكم جرائم الحرب يبقى الممول السعودي بمنأى عن أي لوم، بل يسمح لنفسه حتى بالسخرية من كندا بخصوص موضوع خطير مثل حقوق الإنسان، وينوع في نفس الوقت من دعمه الخارجي، مثل إحلال موقع متقدم استراتيجي في باكستان في مواجهة إيران، وقبل ذلك بقليل خلال هذا الصيف حذرت الرياض من المخاطر الأمنية على البضائع في مضيق باب المندب، وهي طريقة للخروج من المستنقع في اليمن عبر محاولة “عولمة” النزاع بربطه بما تسميه “التهديد الإيراني”. كما أن الدول الصغيرة داخل التحالف باتت تتسلح أيضاً كشراء مروحيات كاراكال للكويت، التي أصبحت الزبون الأول لفرنسا عام 2017 بمبلغ 1.1 مليار يورو من عقود التسلح، وهبة فرنسية الى الأردن مقدارها 20 عربة مصفحة في شهر أيلول الماضي.

سبعة أعوام من التضليل

خلال سبعة أعوام، مارست وسائل الإعلام المهيمنة كل أنواع الكذب والفبركة والتضليل، فصورت الجلاد ضحية والضحية جلاد، ولم تنقل للعالم جرائم العدوان بحق الأطفال والنساء وكبار السن، ولكن عندما يستهدف الجيش اليمني هدفاً ما للجيوش المعتدية تقوم الدنيا ولا تقعد، ولا ترى ملايين القنابل التي ألقتها هذه الجيوش على الشعب اليمني أمام أعين إعلام يكيل بمكيالين. والسؤال الذي يطرح نفسه أين منظمات حقوق الإنسان من هذا العدوان الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب اليمني وبحق الانسانية؟ ولماذا لم تتحرك وتقدم قادة دول العدوان لمحكمة جرائم الحرب؟. بعد أكثر من سبعة أعوام لم تحقق السعودية أياً من اهدافها، سوى أنها دمرت اليمن وشردت وقتلت شعبه، في حين زادت قوة الجيش اليمني واللجان الشعبية.

في هذا الوقت الذي تدين الولايات المتحدة فيه ما تسميه “جرائم الحرب” في أوكرانيا، فهي تواصل بقوة دعم التحالف الذي يعمل في اليمن، والذي يواصل ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وينتهك اتفاقية جنيف. اليمن أرض لا تعرف الهدوء فهي  غارقة في الحرب والمرض والمجاعة، وهي ضحية الانتهاكات السياسية التي حصدت أرواح ليس فقط الأطفال والنساء، ولكن أيضاً الأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان، وكل من يتحدث لمصلحة الشعب اليمني، والذين تم إسكاتهم لاتهامهم بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام. لقد كانت 2021 سنة الانتصارات الحقيقية، ففيها تحررت نهم والجوف والبيضاء وأجزاء من شبوة ومأرب وأخيراً اليتمة، أما 2022 فستكون سنة اليمن العظمى التي سيعمل لها كل العالم ألف مليون حساب، لأن العالم تيقن أن أقوى الرجال هم في اليمن، لأنهم أصحاب حق وأصحاب الأرض وهم خير من يحميها ويدافع عنها حتى الموت.