مجلة البعث الأسبوعية

الشعر سر الرائحة العريقة لصابون الغار الحلبي

البعث الأسبوعية-غالية خوجة

كنت أصور الرائحة وأنا ألتقط الصور لمشاهد من أحياء مدينة حلب القديمة، وكانت رائحة الزمان المعطرة بجذور المكان العريق تتحرك مع الهواء وأوراق الشجر والورود والمباني المرممة والمباني التي قيد الترميم، كما تفوح هذه الرائحة بدماء الشهداء المخضرّة، ويوميات الناس الصعبة، لكنها تصرّ على الفواح بمحبة وعراقة.

الرائحة تذكرنا بعمر صناعة الصابون الموروثة في حلب منذ القدم، والتي يتجاوز حضورها في الحياة الحلبية اليومية آلاف السنين التي تصل إلى 2000 ق.م، وما زالت تجدد حيويتها رغم الدمار الإرهابي، وتعود لاسيما في خان الصابون ومصابنه العريقة المنتشرة في هذا الخان القديم.

لسنا في خان الصابون، لكن رائحة صابون الغار الحلبي ترشدنا من دوار باب الحديد إلى مدخلها عبْر زقاق قديم، حجارته البازلتية السوداء صابرة مثل جذوع الأشجار والبيوت العربية العريقة وجذوع الأزمنة والعصور.

الرائحة، هنا، توصلنا إلى بوابة كتب عليها خان صابون دقة قديمة، وتتميز البوابة بطرازها الموروث، وباحة المدخل تستقبل الزائر ببركة ماء ونباتات وورود وأزهار الياسمين وأشجار متنوعة، كما تستقبله الكلمات المكتوبة بخط عربي فني، فتلمح صوت المعاني يخرج من اللوحة ليردد بيت شعر لنزار قباني: “كل دروب الحب توصل إلى حلب”، وبيت شعر لأحمد شوقي: “وعز الشرق أوله دمشق”، ليجذبك الشعر والصوت والرائحة إلى داخل هذا الخان المزين بالموروث الحلبي والسوري من سلال قشية، وفخاريات، ومجسمات لكائنات، وسيوف فلكلورية، وأدوات زخرفية، إضافة إلى العطور والصابون الذي يجمع إلى جانب دقة قديمة جميع علامات الصابون التي تشتهر به حلب، فترى الصابون مصطفاً بأشكال فنية كأنه لوحات ومجسمات.

تفوح الرائحة في الخان وتجذبك شبابيكه وحجارته ومحتوياته، وتفوح موسيقا كلمات اللوحات المعلقة على كل جدار، لتغني بالموروث الحلبي بصوت شادي جميل وقصيدة الشاعر صفوح شغالة:”من حقي أفتخر بالشهبا وأتغنى.. ست الحسن كل من زارها اتهنى”، وتقف تحت هذه الكلمات أكبر صابونة غار صنعتها دقة قديمة، بوزن 1520 كغ، وامتد عمر صناعتها من المواد الطبيعية إلى عامين.

وعن هذا الخان، قال مديره غياث عرب: هنا مكان خاص بعرض وبيع منتجات دقة قديمة، ولقد تمّ ترميم خان صابون دقة قديمة منذ سنتين بعدما أصابته يد الغدر، وجددنا كل شيء، وأعدنا للجدران والأسقف هيئتها القديمة، وكل ذلك بعقول وأياد محلية ماهرة.

وتابع: نحن مع كل العاملين في مجال صناعة الصابون في خان الصابون وغيره يد واحدة، وهنا أعرض وأبيع للعديد من تلك العلامات الشهيرة مثل صابون جبيلي وزنابيلي وزهرة وغيرها، لأننا نرى الجمالية معاً وقلبنا واحد، ونعزز الأمل بالعمل، ونستمر مع صابون الغار الحلبي المعروف والمطلوب عربياً وعالمياً، لأنه يصنع من مواد طبيعية يدخل فيها زيت الزيتون وزيت الغار.