مجلة البعث الأسبوعية

خطة تحويل غزة إلى حالة ملتبسة بمعزل عن القضية الفلسطينية

محمد شريف الجيوسي  – عمان (الأردن)  

تجري محاولات لتحويل غزة ومواطنيها العرب الفلسطينيين إلى حالة ملتبسة، وكأنها أرض وشعب وقضية ليست جزءاً من القضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني بكل مكوناته، وإعطاء غزة أرضاً وشعباً وقضية، صورة ومسميات مختلفة، كأنما هي جزء من الفلبين أو نيكارغوا أو الكونغو برازافيل (..) تنبت بشراً مختلفين عن بقية الشعب الفلسطيني، أو كأن المواطن في غزة هو من قومية أو شعب أو أمة أخرى غير أمته، علماً بأنْ ليس كلّ مَن في غزة هو من مواطنيها قبل سنة النكبة (1948)، فبينهم نسبة تزيد عن النصف هم من أبناء الساحل الفلسطيني الذي احتلته اسرائيل ومن مناطق فلسطينية أخرى.

وتنجرف قوى صديقة ووسائل إعلام “نظيفة”، وغير نظيفة، في تشكيل حالة “غزاوية” ملتبسة ومختلفة عن بقية فلسطين، وتعظيم ما يحدث – مع أهميته بغير شك – وبشكل مواز إعطاء قدر أقل من الإهتمام في التناول السياسي والإعلامي لما يحدث  في مناطق فلسطينية أخرى، وذلك منذ انقلاب حماس وفوزها في انتخابات المجلس التشريعي، وتسلم رئاستيْ المجلس والحكومة.

وتتخذ حالة الالتباس هذه مبرراتها من التنسيق الأمني الذي تقيمه السلطة مع إسرائيل، الذي لا يزيد سوءاً عن التهدئة التي تقيمها حماس مع تل أبيب.. بدليل استفراد إسرائيل بحركة “الجهاد الإسلامي”.. دون أن تتحرك حماس لنصرتها، والدفاع عن غزة وأهلها، وما تلا من زيارة خالد مشعل لعمّان، لأول مرة منذ طرده منها مقيداً في مطلع الألفية الثالثة، دون غطاء اجتماعي أو إنساني، كما مرات سابقة، واستقباله رسميا في المطار من قبل قيادي حمساوي، وأدائه صلاة الجمعة في مسجد بالعاصمة عمان، وسط حشد مرتب بإتقان.. إخوني وحمساوي.

إن المبالغة في تعظيم حالة غزة على حساب القضية الفلسطينية، وكأنها قضية أخرى، وكأن شعبها نسيج آخر – مع أنه ينطوي على كل مكونات الشعب الفلسطيني – ليس بريئا، تساعد عليه وتدعم حالة الالتباس هذه تركيا وقطر ومكتب الإرشاد العالمي الإخواني، و”بواكٍ” كثر، وجهات وجهود (خارج التغطية السياسية) عن غير قصد، وأحياناً عن “بلاهة” سياسية، وانجراف وراء شعارات إسلاموية ووطنية ملتبسة غير واضحة، وفي مواضع عن تقصد ومعرفة مسبقة، وإسهام في دور تآمري قادم.

وهدف التعظيم هذا توسيع وتكريس إمارة حمساوية إخوانية في غزة، كتعويض عن الفشل الذريع، الذي حصدته حالة الفوضى الخلّاقة، وما أسمي بـ “الربيع العربي”، حيث أخفقت المحاولات الإسلاموية الدموية المتخلفة في كل معاركها للبقاء في السلطة أو التجذر في الأرض، وفشلت واشنطن الحليفة لهم في تكريسهم مقابل ما قدّموا من خدمات بحرف الصراع من صراع عربي – صهيوني إلى “صراع عربي فارسي”، و”إسلامي مسيحي”، وطائفي ومذهبي، رغم كل الويلات التي حلّت بالأمة وحجم الدمار الهائل الذي أصابها.

أقول، إن تعظيم ملتَبَسةِ غزة والتسليط الإعلامي الهائل ليس حبا بفلسطينييها ولا بها، ولكن لتكريس الانقسام بين الضفة والقطاع الفلسطينيين، وخلق حالة من الشقاق بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، والتهيئة لخلق البيئة والمناخ الملائمين لاستدامة إمارة غزة الإسلاموية، تكون خنجرا آخر في خاصرات الأمة كـ “إربيل” في شمالي العراق، تكمل دور ووظيفة إسرائيل.

ويدخل في نطاق هذه اللعبة الكبرى، التي ما تزال ملتبسة إلى حد بعيد، جهات وطنية وقومية ومقاومة وإسلامية نظيفة، تزعم أنه ستُتبع لإمارة غزة، الضفة الغربية الفلسطينية سكانا، كرعايا، وتبقى الضفة كجغرافيا تحت سلطة إسرائيل حصراً، أو وفق صيغة تقاسم إقليمية تكون إمارة حماس جزءاً منها، وهو ما يفسر زيارة مشعل، في وقت يتصاعد الحديث عن خلافة عباس، الأمر الذي يُغري حماس كأي فصيل إخواني، يتطلع للسلطة ضمن معادلة أمريكية غربية صهيونية رجعية عربية وتركية.

وتكفل هذه الخطة إبعاد حماس عن السعي الحثيث للعودة لدمشق، بعد أن ضاقت بها ذرعا مختلف العواصم  بما فيها مناطق النفوذ الإخواني المتبقية، واستخدامها مجدداً كأداة فتن وقمع وخذلان لكل ما هو وطني مقاوم وعروبي وإسلامي نظيف، كبديل عن إسرائيل الآيلة للسقوط من داخلها، وفق دراسات متزايدة لدى الغرب بعامة وفي إسرائيل وبين يهود العالم.

m.sh.jayousi@hotmail.co.uk