مجلة البعث الأسبوعية

لا تعدو أداة…. تايوان من المنظور الجيوستراتيجي لأمريكا

البعث الأسبوعية- د. ساعود جمال ساعود

منذ بداية العملية الروسية في أوكرانيا وينتابني شعور أنها ستكون المطية مقابل الترهيب الروسي للدول الأوربية التي ستعيدهم للارتماء في أحضان الولايات المتحدة بشكل أوثق من ذي قبل، فالاستفزاز الأمريكي مع بقية دول الناتو لروسيا بواسطة أوكرانيا الذين خلقوا تصوراً مفاده أنها قاعدة متقدمة للناتو تستهدف تقويض الأمن القومي الروسي، حيث ترافق ذلك مع تأكيدات أمريكية بالوقوف إلى جانب أوكرانيا بحال تحرك روسيا عسكرياً، ليأتي بعد ذلك التحرك الروسي من جهة، ووقوف أمريكا وقفة المتفرج الضاحك والمستفيد بآن معاً.

وعلى غرار اللعبة السياسية الأمريكية في الحالة الروسية – الأوكرانية – الأوربية، فهناك تشابه مع ما تشهده الصين – أمريكا حول تايوان، وكثيراً ما يتهيأ للمراقب أن استفزاز الأمريكي للصيني ليس سوى لدفع الصين لاقتحام تايوان واستردادها، خصوصاً في ظل استفحال شعور قادتها بالخطر والقلق على أمنهم القومي في مرحلة تشهد تفوقاً صينياً عالمياً جعل البعض يقول بانهيار القطبية الأحادية، وهنا سيخطر بالبال جر الصين إلى فخ استراتيجي يكون وبالاً عليها، ولكن ما هذا الفخ ؟ وهل تستعصي تايوان على الصين عسكرياً؟ الجواب: لا . إذاً هل العمل على استبدال حجر شطرنج بآخر، أي تايوان بكل مالها من قيمه عسكرية لأمريكا مقابل حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي؟.

ما نريد قوله هنا إن المناورات العسكرية الصينية دليل على تمسك الصين بتايون، ولكن بالمقابل دليل أنّ الأمريكي نجح باستفزازها أيضاً، وهذا لا يصدر عن دولة مثل الصين إلا إذا كانت حساباتها الجيوستراتيجية مائلة بقوة في هذه المنطقة الصغيرة. و بالسياق ذاته، يذكّرنا هذا الاحتمال بما قاله جون بولتون، وديريك آر زيتلمان في 23 آب 2021: ” لدى واشنطن أسباب استراتيجية واقتصادية ومعيارية لحماية الجزيرة من الصين، هذه الأسباب هي ذاتها ما يحرّك الصين تجاه تايوان بشدة والغرض حرمان الأمريكي منها”. لذلك لا بد من استعراض مخاطر استعادة الصين لتايوان  بنظر  الولايات المتحدة.

  • من الناحية العسكرية: في حال استعادة الصين تايوان ستعمل تايوان كقاعدة أمامية لتوسيع نطاق طائراتها وصواريخها إلى 150 ميلاً بحرياً آخر (نانومتر) إلى الشرق، وبالتالي تمكّن الصين من حظر الطرق الجوية والبحرية في بحر الصين الشرقي، وزيادة قدرة الصين على ضرب أهداف في اليابان أو غوام، إضافة إلى دفع القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها إلى مناطق أبعد، وزيادة احتمال تعرض قواعدها لتهديد أكبر بصواريخ جمهورية الصين أو هجوم جوي.
  • من الناحية الاقتصادية: إنّ استعادة تايوان سيمنح بكين السيطرة على خامس أكبر شريك تجاري لها، حيث ستتمكن بكين من الوصول إلى صناعتها عالية التقنية، بما في ذلك مصانع الموصلات ذات المستوى العالمي تُضاف إلى قاعدتها الصناعية الكبيرة.

وبالعودة إلى الفكرة الأساسية التي مفادها العمل على استبدال حجر شطرنج بآخر بكل مالها من قيمه عسكرية لأمريكا مقابل حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، فإنّ لهذه الفكرة ما يؤيدها، حيث إن التجارة التايوانية ليست حيوية للاقتصاد الأمريكي، وبالتأكيد لا علاقة لها بالتجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، أي لا تتعلق بالتبادل التجاري بين الصين وأمريكا، فـ تايوان هي عاشر أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة (85 مليار دولار) ، وهو مبلغ تافه بالنسبة للتجارة مع الصين (635 مليار دولار) أو كندا والمكسيك (500 مليار دولار لكل منهما).

لذلك، إنّ فصل أكبر اقتصادات العالم من أجل الحفاظ على تايوان فقط سيكون مدمراً ذاتياً لأمريكا، كما أن الجزيرة ليست مهمة لإبراز القوة العسكرية للصين، وبالتالي أهمية تايوان تختلف نسبياً بالنسبة للولايات المتحدة التي تعد تايوان رابطاً قابلاً للاستبدال، بينما بالنسبة لجمهورية الصين لإبراز الصين قوتها في بحر الصين الشرقي.

ومن ناحية أخرى، إن الاستفزاز الأمريكي للصين لكي تقوم بالهجوم على تايوان واستعادتها ضرورة أمريكية لتأليب شرق أسيا والمحيط الهادئ على الصين، والأدلة كثيرة منها الحرب التجارية لأستراليا مع الصين، ودعوات اليابان للدفاع عن تايوان، وزيادة التدريبات العسكرية مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، إضافة إلى الاستجابات الإقليمية المتزامنة مع نشر القوات البحرية البريطانية والألمانية والفرنسية في شرق آسيا.

وبالنسبة لمن ينادي بالأهمية القيمية لتايون بالنسبة لأمريكا، أي الدفاع عن “نظام ديمقراطي ليبرالي”، فلست في صفه لأنها بنظري كسالفها في أفغانستان والعراق وإيران حجج واهية تتخذها ذريعة للتحرّك السياسي، وباباً للتدخل يحقق لها شرعية وهمية أمام المجتمع الدولية، كما لا ننسى أن للصين تجربتها الخاصة المتمثلة بالديمقراطية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ببعدها السياسي المميز إعتماداً على معيار مقررات اللجنة المركزية التاسعة عشر للحزب الشيوعي الصيني، وعلى مخرجات اجتماع الدورتان السنويتان للمجلس الاستشاري السياسي الصيني، ومجلس النواب لعام 2022 .

وعلى سبيل المحاججة المنطقية، أثبتت الصين عبر تبنيها مبدأ دولة واحدة ونظامان قدرتها على المزاوجة بين النظامين الرأسمالي الليبرالي والشيوعي الاشتراكي، ليثبت بشكل أو بأخر أن التذرع بحماية تايوان أمريكياً بدواعي قيمية أمرٌ ذو قيمة واهية سياسية، فالأمر أعظم ليس له سوى تفسير واحد ألا وهو الميزات الجيوستراتيجية لتايوان، وما تتيحه لأمريكا وحلفائها اليابان وكوريا الجنوبية..الخ في شرق أسيا والمحيط الهادئ، وهما جزء من كل أي جزء من الاستراتيجية الأمريكية ككل تجاه المنطقة المذكورة، وبهذه النقطة بالذات أتفق مع واكانا موكاي  الباحث في مؤسسة أبحاث سياسات المحيطات اليابانية بمقاله المعنون: “لماذا يحتاج الجيش الأمريكي إلى تايوان؟”، حيث يقول: ” إن الولايات المتحدة لديها مشاكل أمنية مختلفة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والقلق الأكبر هو أنهم يتخذون إجراءات عدوانية، في حين أن قدرات جيش التحرير الشعبي الصيني تتحسن، وتجعل من الصعب على الجيش الأمريكي نشر قوة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.