“لأنه كان”.. رواية بانورامية تنهل من السيرة الذاتية
أمينة عباس
بعد أن أرهقتْه كتابتُها ذات يوم، وضع القلم جانباً وقرر أن يتوقف عن الإصدار وهمَّ بتمزيق أوراقها بحضور صديقه د. محمد شفيق البيطار، لكن إحدى طالباته استأذنتْه في أن تقرأ الأوراق قبل إتلافها لتفاجئه بها فيما بعد منضَّدة، لتبدأ رحلتُه في التعديل والتحرير بواسطة الرسائل الصوتية بسبب كلال البصر حتى صارت جاهزة، وحين أخبره أحدُ الأصدقاء أنه لم يحبها كاد أن يمزقها، لكنه احتراماً لتعبه وحبه للنص وما بذلتْه طالبتُه في التحضير لها عقدَ العزمَ على نشرِها دون دار نشر، ليحمل أوزارها فنياً وفكرياً وحده، وكانت الرواية التي يفتخر بها كثيراً (لأنه كان) ليتبنّى اتحاد الكتّاب العرب فيما بعد إصدارها والاحتفاء بتوقيعها مؤخراً في مكتبة الأسد الوطنية وتقديم قراءة تحليلية لها بمشاركة الدكاترة محمد الحوراني رئيس الاتحاد وحسن الأحمد أستاذ النقد القديم في جامعة دمشق، وراتب سكر أستاذ النقد العالمي، ومحمد شفيق البيطار أستاذ الأدب وعضو مجمع اللغة العربية.
وأوضح إسماعيل مروة في بداية الجلسة التحليلية للرواية أنه سبق وأن صرح أنه سيتوقف عن الكتابة، لكنه عاد وأصدر هذه الرواية وسيعود مرة أخرى للكتابة حين يلح عليه موضوع ما، مشيراً إلى أن (لأنه كان) رواية تتحدث عن سورية ما بين 1982-2016 في ظلّ ما تعرضت له سورية خلال هذه الفترة من خلال عائلة من الشمال السوري تتنقل بين حلب ودمشق ودرعا. وقد حاول في هذه الرواية التحرر من الرقابة وكان فيها وفياً لقناعاته.
أصعب أنواع الروايات
وأكد الحوراني أنه سيقدم انطباعاته كقارئ أن هذه الرواية مُنجَز مهم للغاية، مثنياً على وفاء مروة للكثير من الشخصيات التي كانت موجودة في حياته وحياتنا وذكرَها في الرواية التي تحتمل أكثر من قراءة، مبيناً أن الرواية تاريخية ومن أهم وأصعب أنواع الروايات لأن التاريخ مادة جافة وتحتاج إلى كاتب مثقف قادر على استيعاب الأحداث التاريخية وصياغتها بأسلوب رشيق وقريب من المتلقي، وهو ما أجاده مروة في هذه الرواية التي تضم أحداثاً وشخصيات تاريخية وتمتعت بقدرة كبيرة على الربط بين أحداث الماضي واليوم.
استفادة ذكية
وتوقف سكر عند تنوع الأساليب الفنية والتقنية التي اتبعها الكاتب في الرواية والبناء السردي وكيف استفاد من فنّ السيرة الذاتية، مشيراً إلى أن الكاتب استلهم المصادر المعرفية التي أثْرت الرواية موضوعاً وتخييلياً وأثّرت على النص كاستلهاماته العربية والعالمية، وهي رواية تجعل من القارئ برأيه شريكاً معرفياً، إضافة إلى استلهامه للعديد من القضايا التاريخية، وإن كان هذا الأمر ليس بجديد على الرواية برأي سكر، حيث فعل ذلك نجيب محفوظ وناديا خوست في كتاباتهما.
سيرة ذاتية
ورأى الأحمد أن “لأنه كان” رواية بانورامية تمتد إلى أربعة عقود وتسير في مكانين متوازيين هما دمشق وحلب، وتبدأ فيها الأحداثُ من النهاية، ثم تعود إلى التفسير والسرد، وهذا برأيه أسلوب مثير للاهتمام ويدفع القارئ إلى إكمال قراءة الرواية التي امتازت بشخصياتها القليلة، موضحاً أن الرواية سيرة ذاتية، قدم مروة فيها شخصيات حقيقية، وكان أهم ما ميزها أن كاتبها لم يتحيز لشخصية دون أخرى أو لتيار دون آخر، وكان معادلا للراوي، وهذا برأيه يعزز فكرة السيرة الذاتية التي قدمها مروة ضمن قالب روائي استوفى كلَّ عناصر السرد، ونوه الأحمد إلى أن الكاتب تناول في روايته التيارات السياسية التي كانت موجودة في سورية في فترة من الفترات، ليؤكد في النهاية أنها كلّها كانت قاصرة ولم تقرأ الواقع قراءة دقيقة، مبيناً أن الرواية لم تخلُ من نَفَس روحاني وجداني، ومن انتقالات محيّرة وغير مفهومة لبعض الشخصيات.
العلاقة شعراً
ولخَّص بيطار علاقته باسماعيل مروة من خلال قصيدة كتبها وقرأها أمام الحضور وهي علاقة تمتد لسنوات طويلة على الرغم من اختلاف شخصيتيهما، مؤكداً أن هذا الاختلاف يولد تكاملاً، فكل واحد يكمل الآخر، موضحاً أنه اختار الشعرَ سبيلاً وهو القائم على التكثيف والإيحاء والإيجاز، وهو ما يناسب شخصيته، في حين اختار مروة فن القص والسرد كالرواية القائمة على البسط والتصريح، وهو ما يناسب شخصية الروائي مروة.