مجلة البعث الأسبوعية

أمريكا مستمرة بدفع حديقتها الخلفية نحو الدمار والتضحية بحلفائها بعد أن اتخذت من روسيا عدواً

البعث “الأسبوعية” بشار محي الدين المحمد:

منذ بداية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا وخيوط اللعبة الأمريكية تتكشف بقوة وشراسة في إظهار حقيقة أنها مهندس السياسات الخارجية والمسيطر على القرار كلياً لحديقتها الخلفية الكبرى في أوروبا، مع وجود بعض الوكلاء القائمين على تنفيذ السياسة الأمريكية في أوروبا كبريطانيا التي تخلت عن الاتحاد الأوروبي أساساً أو الدول التي لم يتبق منها سوى اسم السيادة وهي ليتوانيا ولاتفيا و إستونيا وأوكرانيا، تحالف ضد روسيا يأمل في الحصول على مساعدة أمريكية ويضاف إليه بولندا وجمهورية التشيك وفنلندا.

مع اتضاح أن الثقة بالولايات المتحدة لا معنى لها في العلاقات الدولية على الواقع وفي التاريخ، وفي الوقت الحالي حيث يتم لحظ أشال جديدة لشراسة سياسة أمريكا في جلد حلفائها واستغلالهم وأمرهم بالسير خلف سياساتها مهما كانت النتائج وحتى لو أدت لمحقهم وإبادتهم، ومع ذلك يمعن أولئك العميان في توريط أنفسهم بالصراع ضد روسيا التي اتجهت مؤخراً الولايات المتحدة لمعاداتها، بعد أن ملت من جلد المجموعات الإرهابية والتنظيمات التكفيرية التي أنشأتها أمريكا بذاتها في الشرق الأوسط وأفغانستان وغيرها من بقع العالم لتصور نفسها قوية بالانتصار عليهم بعمليات تثبت تورطها الشديد معهم من خلال قتل بعض زعماء تلك التنظيمات هنا وهناك عند كل “زنقة” تحرج الساسة الأمريكيين، فبعد كل هذا تغير أمريكا سياساتها المعوجة في محاولات لاهثة لبناء صداقات مع العالم الإسلامي للتحالف معه على اعتباره يشكل نحو 17% من البشرية، بعد أن أدركت عجزها أمام القوة الساحقة للتيارات الدينية التي افتعلتها وخرجت من يدها.

تحذيرهم من الانخراط

من جانبها روسيا تؤكد دائماً على الحوار مع جميع القوى، وتحذيرهم من الانخراط بصراعات لا تمثلهم، وتأكيدها الدائم على السلام، حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “روسيا ستتبع دائماً القيم التقليدية في الحقيقة والعدالة والتضامن والرحمة”.

من جهة ثانية نلحظ استمرار الولايات المتحدة الأمريكية بتبني سياسة عدوانية تجاه روسيا بعد تعمدهم قطع الحوار معها والدخول في أفق أشبه بالضبابي بعيد كل البعد عن الجدية في العودة للتفاوض، رغم تأكيد روسيا انتظارها لأي إشارات تظهر نية واشنطن لاستئناف الحوار على مواضيع إستراتيجية كموضوع الأسلحة الهجومية الإستراتيجية.

وفي الشق الأوروبي من هذا الصراع تثبت الولايات المتحدة استسهالها التضحية برفاهية ومعيشة الشعوب الأوروبية التي كانت تتمتع بالرفاهية والبذخ إلى حد كبير في سبيل سلطتها وهيمنتها وأحلامها بحكم العالم مهما كلف الثمن، حتى لو كان الجوع والبرد للمواطن الأوروبي عبر منعه من شراء الغاز الروسي الأرخص ثمناً  وعلاوة عن ذلك تجبر أوروبا على شراء الغاز منها بكلفة أعلى بـ 7.3 مرات، وهذا ما يسرع في عملية انهيار اقتصادات الاتحاد الأوروبي وخروجها من المنافسة

كذلك اعتبر النائب البرلماني السلوفاكي ميلان مازوريك أن العقوبات التي يفرضها التكتل الأوروبي على روسيا ستفقر أوروبا وستكون بمثابة عملية تصفية للسكان فيها  وخاصة مع توقعات بارتفاع أسعار الغاز خلال الشتاء القادم بمقدار 60 بالمئة.

كما أن العقوبات لا معنى لها فبيع روسيا كميات أقل من الغاز سيمكنها من تحقيق ربح أكبر مما قبل العقوبات

استفزاز ديبلوماسي

ويعمل الغرب على سياق آخر فاشل أيضاً على “الصعيد الدبلوماسي”، عبر محاولات لاهثة لطرد روسيا من الأمم المتحدة وتنفيذ فكرة سحب أوراق اعتماد المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، رغم عدم وجود أية طريقة قانونية لتنفيذ مثل هذه الخطة كونها تحتاج لإجراء تغييرات على ميثاق منظمة الأمم المتحدة ذاته، وهذا مستحيل لأنه يتطلب تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة عليه، وبالنسبة للممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فإن أوراق اعتماده موقعة من قبل رئيسها ومقدمة إلى الأمين العام للمنظمة وليس إلى الدول الغربية.

وبدورها الولايات المتحدة تقوم بجولة جديدة من الاتهامات ضد روسيا لتشويه سمعهتا وتحشيد الرأي العام في هذا السياق، كالاتهام بالاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية من قبل القوات الخاصة الروسية ضد المعارض الروسي نافالني  وشاركت ألمانيا في هذه المزاعم كذريعة لفرض عقوبات عليها.

إضافةً للمزاعم القائلة بأن روسيا تمتلك أسلحة كيماوية رغم قيام روسيا بالتخلص منها عام2017  مع العلم أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي لم تتخلص بعد من مخزوناتها الكيماوية

تخطي الخطوط الحمراء

علاوة على كل التورط الأوروبي ضد روسيا فإن الناتو يمعن في تجاهل الخطوط الحمراء لدولة قوية كروسيا ويتابع الانجرار إلى مواجهة مع روسيا في أوكرانيا التي تتأرجح على شفا صراع مسلح ربما يزيد التصعيد وصولاً إلى صدام عسكري للقوى النووية وعواقب وخيمة، حيث أن العقيدة الروسية تسمح افتراضياً باستخدام الترسانة النووية فقط للرد على عدوان باستخدام أسلحة دمار شامل ضد روسيا نفسها وحلفائها أو عندما يكون وجود الدولة نفسه مهدداً، ومع ذلك جدد النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية لمجلس الاتحاد الروسي السيناتور فلاديمير جباروف التأكيد على عزم بلاده بذل قصارى جهدها لضمان أمنها.

مبيناً أن التوترات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الناتو ستتراجع بمجرد استماع الحلف إلى مخاوف موسكو حول القضايا الأمنية

 

مطالبات واعية

من جهة أخرى تظهر أصوات أوروبية واعية لحقيقة الصراع وخطورته على الاقتصاد الأوروبي، حيث دعا رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب الاتحادي الألماني كلاوس إرنست حكومة بلاده للتفاوض مع روسيا بشأن الغاز معتبراً أن بلاده لا يجب أن تعاني من عقوبات هي من فرضتها.

كذلك حذر رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناجل من انزلاق البلاد إلى الركود إذا تصاعدت أزمة الطاقة مع قدوم الشتاء، وهذا مؤشر خطير وسيسبب الركود، وحسب العديد من الخبراء فإن وجود الركود في ألمانيا يعني وجوده في كامل القارة العجوز.

وعلى الساحة البريطانية بات التضخم يهدد بشلل تام للبلاد بعد أكثر من ستة إضرابات لعمال قطاع القطارت وبنسبة توقف فاقت الـ80 % والذي تبعه إضراب لاتحاد العمال في ميناء فيليكستو بمدينة سوفولك خرجوا من أعمالهم في إضراب يستمر ثمانية أيام، وتأتي تلك الإضرابات بسبب نزاع حول الأجور والمطالبة برفعها بما يتناسب مع نسب التضخم الحاصلة في البلاد.

تجدد النازية

سلطات كييف المتطرفة أعلنت أنها الوريثة للنازيين الأوكرانيين الدمويين وهي تقوم بتمجيدهم علناً، وهناك ظاهرة واضحة للسياسة النازية من خلال فرض النزعة المناوئة لروسيا عبر المنابر الأوروبية، بدليل فكرة منع المواطنين الروس من دخول الاتحاد الأوروبي.

وفي سياق تشجيعها للتوتو تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية الصمت بشأن قصف نظام كييف لمحطة زابوروجيه النووية الذي يعني مساهمتها في احتمال حدوث كارثة نووية في كامل أوروبا لمجرد إلقاء اللوم على روسيا في ذلك، رغم تحذيرات وزارة الدفاع الروسية من أن الإشعاع النووي في حال وقوع حادث بمحطة زابوروجيه يمكن أن ينتشر ليغطي الدول الاسكندنافية إذاً ما أطلق ربع ما يحتوي عليه مفاعل واحد من المفاعلات الستة للمحطة.

كذلك فإن الخطاب اللا مسؤول للولايات المتحدة فيما يتعلق بالوضع حول محطة زابوروجيه للطاقة النووية يشجع الجيش الأوكراني على تنفيذ خطط إجرامية كارثية عبر المديح اللامسؤول.

ويضاف إلى ذلك الإرهاب النووي والكيميائي الأوكراني الذي يمكن في استخدام الأسلحة البكتريولوجية مع الأخذ في الاعتبار عدد المختبرات البيولوجية المنتشرة في أوكرانيا والتي لا تزال تحت سيطرة الأمريكيين.

وأخيراً يمتد الاستفزاز الأوكراني ليدخل الحدود الروسية متجسداً في قضية جريمة قتل داريا دوغين ابنة الفيلسوف والسياسي الروسي ألكسندر دوغين، حيث أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن الاستخبارات الأوكرانية هي المخطط والمنفذ للعملية عن طريق مواطنة أوكرانية اختفت بعد الجريمة في استونيا، وبالتالي فإن نظام كييف ينتهج سياسة إرهاب دولة.