دراساتصحيفة البعث

روسيا.. الشريك الموثوق لأفريقيا

عناية ناصر

لاقت الجولة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الدول الأفريقية: مصر وأثيوبيا وأوغندا والكونغو، بالإضافة إلى إبرام روسيا العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية المهمة مع العديد من الدول الأفريقية، صدى قوياً في المجتمع الدولي، بينما تسببت هذه التطورات بقلق كبير بين الزعماء الغربيين خوفاً من فقدان مكانتهم بشكل كامل في القارة الأفريقية.

نتيجة لذلك، قامت الولايات المتحدة باستبدال قائد “أفريكوم” ليصبح الجنرال مايكل لانجلي أول أمريكي من أصل أفريقي قائداً لقوات المارينز والصاعقة البحرية في الجيش الأمريكي يتولى قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”، وإضافة إلى ذلك، أطلق الغرب نداءات لزيارة أفريقيا، وحث السياسيين الغربيين على القيام بذلك، فبعد زيارة سيرغي لافروف، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى أفريقيا، أعرب عدد من السياسيين الغربيين الآخرين عن استعدادهم للقيام بزيارات مماثلة إلى القارة السمراء.

بالمقارنة بنجاح زيارة لافروف، لاقت الزيارات التي قام بها كل من ماكرون وبلينكن إلى أفريقيا فشلاً ذريعاً، حيث تبيّن أن جولة بلينكن الأفريقية كانت فاشلة بكل المقاييس، على الرغم من أن مجموعة من المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا القارة من قبل وعدوا بتقديم الدعم المالي للشركاء الأفارقة، وحتى التلميح إلى إزالة التعرفات الجمركية على الصادرات، إلا أن لهجة واشنطن المتعجرفة التي تدعي السيطرة على العالم أدت إلى إثارة الغضب في القارة، وقد تجلى ذلك، على وجه الخصوص، من خلال مفاوضات بلينكن الصعبة للغاية في جنوب أفريقيا، حيث قام بلوم السلطات هناك وانتقادها بسبب إحجامها عن انتقاد موسكو، ودعم القرارات المعادية لروسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ورداً على ذلك، وجّه وزير خارجية مالي توبيخاً لنظيره الأمريكي، وحثه على عدم الضغط على الدولة ذات السيادة، ملمحاً إلى نفاق الولايات المتحدة، وسياستها المتمثّلة بازدواجية المعايير، وقد ذكرت مجلة “فورين بوليسي” أن العقبة الرئيسية لواشنطن التي تبنت مؤخراً استراتيجية جديدة لأفريقيا جنوب الصحراء، هي عدم رغبة الدول الأفريقية في الانجرار إلى “حرب باردة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة”.

ودافع المحلل السياسي الفرنسي فابريس بيور على موقع “أفريك ميديا”​​ عن حق الدول الأفريقية في تقوية علاقاتها مع روسيا، وشدد على أن الدول الأفريقية لا تريد أية علاقة تربطها بفرنسا والغرب، ولا تريد أن يتم التحكم بقراراتها، وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن موسكو هي التي كانت تساعد دول القارة السمراء في تحديد مصيرها بيدها، وأنها اختارت بعد فترة من العبودية مع الغرب مسار التقارب مع روسيا، وكان الخبير السياسي الفرنسي جمال أبينا قد اتخذ موقفاً مماثلاً، مؤكداً أن وجود روسيا في أفريقيا ضروري وفعال أكثر بكثير من النهج المفترس للدول الغربية، وأكد أبينا على عدم التزام الغرب بأي اتفاق سواء كان شفهياً أو كتابياً، مستشهداً على ذلك بمحاولات فرنسا الفاشلة لمكافحة الإرهاب في القارة، ووفقاً له، فإن الولايات المتحدة وأوروبا هما اللتان حاولتا مراراً وتكراراً زعزعة استقرار العديد من الدول الأفريقية من أجل الإطاحة بحكومات لم تعجبها، وتم إنقاذ العديد من دول القارة السوداء من الانقلابات من خلال تدخل روسيا للمحافظة على سيادة تلك الدول.

وفي هذا السياق أعرب عاصمي غوتا، رئيس الفترة الانتقالية في جمهورية مالي، من خلال اتصال مع الرئيس بوتين في 10 آب الجاري، عن امتنانه للدعم الروسي متعدد الأوجه لمالي من خلال مناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالتعاون الروسي المالي في مجال السياسة الخارجية، وإمكانية تسليم المواد الغذائية والأسمدة والأدوية إلى مالي.

تعتبر محادثات بوتين مع عاصمي غوتا مؤشراً مهماً على العلاقات الروسية المتنامية مع أفريقيا التي ترى روسيا كرمز مهم وشريك موثوق به، ما يسمح لروسيا باحتلال مكانة خاصة ناجحة في نظام الإحداثيات العالمي، والعودة إلى الموقع الذي كان للاتحاد السوفييتي السابق، والذي ساعد الدول الأفريقية على محاربة الاستعمار الغربي الجديد، فقد دربت روسيا، كما هو معروف، جيش ذلك البلد الأفريقي، وبفضل ذلك قامت القوات المسلحة لجمهورية مالي بتحسين الاستعداد القتالي، وقامت بعدد من العمليات الناجحة لمكافحة الإرهاب ضد المتطرفين، لاسيما “داعش والقاعدة”.

تجدر الإشارة إلى أنه عندما دخلت القوات الفرنسية إلى مالي بذريعة محاربة الإرهاب فيها، وتوفير الأمن الإقليمي، لم تحقق أي نجاح، بل كان جل اهتمامها حماية مصالح شركاتها هناك، وتنفيذ سياسة استعمارية جديدة تظهر أن الدولة تتمتع بالسيادة، ولكن في الممارسة العملية تتم مصادرة كل من الموارد البشرية والطبيعية منها، ونتيجة لمثل هذه الأنشطة التي قامت بها الجمهورية الخامسة، كثفت الجماعات المسلحة عملياتها في مالي، والتي لا يمكن التصدي لها والقضاء عليها بشكل فعال إلا بعد تعزيز العلاقات بين موسكو وباماكو، وإحلال السلام في البلاد.