صحيفة البعثمحليات

ستة أشخاص بينهم خمسة أطفال ابتلعهم مكب نفايات الغزلانية!

دمشق  لينا عدره

بتاريخ 7 تموز 2022، وصلت إلى مستشفى المواساة جثث ست ذكور بأعمارٍ مختلفة، توفوا نتيجة سقوطهم بمكبٍ للنفايات في محلة دير الحجر التابعة للغزلانية، وذلك عند قيامهم بأعمال “النبش”، حسب ما ذكرت مصادر أهلية؟!

وفي تفاصيل القصة التي يتناقلها أبناء محلة دير الحجر، الملاصقة للمكب، والقرى المحيطة بها، أن الضحايا تُوفوا حينما انهار تحتهم جبلٍ من النفايات.. ولسوء حظهم، انشقّت حفرة كبيرة أدت لوقوعهم في قلب المكب لتغمرهم أطنان النفايات المتخمرة!

المؤسف أن من بين الضحايا ثلاثة أطفالٍ أصغرهم من مواليد 2010، إضافة إلى طفلين اثنين من مواليد 2007 و2008، على التوالي، وثلاثة آخرون تجاوزوا الثامنة عشرة تراوحت تواريخ ميلادهم ما بين 1951 و1992 و2003، حيث تم تحويلهم من مستشفى المجتهد بعد تنظيم ضبط في شرطة المجتهد، إلى مستشفى المواساة التي أكد أحد أطبائها (طلب عدم الكشف عن إسمه) الحالة السيئة والوضع المأساوي والمحزن الذي كانت عليه جثث الضحايا أثناء وصولها نتيجة الروائح المنبعثة منها ليقوم الطبيب الشرعي بالكشف عليهم وتسليم الجثث لذويهم أصولاً.

لا شك أن هذه الحادثة المؤسفة تفتح ملف “النباشين” أو “جامعي القمامة”، إضافة إلى ملف قديم جديد هو ملف تشغيل الأطفال، الذي يحظره القانون السوري ويمنعه منعاً باتاً، فكيف إذا كان عملهم في مهنٍ تُشكل خطراً على حياتهم وتهدد سلامتهم، خاصةً وأن مثل هذه الحوادث – حسب ما أكدت مصادر خاصة – تتكرر باستمرار، وفي أماكن مختلفة، وتحديداً تلك القريبة من مكبات النفايات، كمحلة خربة الورد التي أكدت المصادر نفسها تعرض فتيات صغيرات فيها لا تتجاوز أعمارهن 14 عاما لإصابات متعددة، قد تكون خطيرة في بعض الأحيان، نتيجة عملهن بجمع النفايات، وضبوط شرطة المشافي تؤكد تكرار مثل هذه الحوادث التي تعتبر عادة قضاء وقدراً، ربما لعدم تقديم الأهالي أي إدعاء شخصي!

ويبقى السؤال الأهم  رأي القانون من تكرار هذه الحوادث، سواء كان ضحاياها أطفالا أو بالغين، وبالتالي اعتبارها جرما أم لا؟ وأين يكمن القصور؟ في القانون أم في آلية تطبيقه؟ بغض النظر عن أعمار الضحايا، سواء كانوا أطفالاً أو بالغين، حتى ولو افترضنا أن وفاتهم كانت نتيجة حادثة عادية “قضاء وقدرا”، أو أن تواجدهم  في مثل تلك الأماكن مع الأطفال صدفة، وليس بسبب العمل، أو أنهم يعملون لحسابهم الخاص، أو كأن يدعي أحدهم أن تواجد الأطفال هناك كان لـ “اللعب”!!!.

كل الاحتمالات أو السيناريوهات لا تُغني عن متابعة هذه الحوادث لمعرفة السبب الحقيقي الذي أدى للوفاة، لمنع تواجد من لا عمل له داخل تلك الأماكن، كي لا تتحول تلك الحوادث لمجرد حدثٍ روتيني، خاصةً وأنها باتت حدثاً مرشحاً للارتفاع، ما يستدعي تدخل الجهات المعنية؟ أقلُّهُ حفاظاً على الحق العام!؟

المحامي الأستاذ منيب هائل اليوسفي عقب على حادثة وفاة الأطفال في المكب خلال عملهم فيه – حسب رواية الأهالي – إلى منع القانون منعاً باتاً من حيث المبدأ تشغيل الأطفال، إضافة إلى مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية في رعاية الأطفال ومراقبة سلوك رب العمل، الذي يقوم بتشغيل الأطفال، معتبراً تشغيل الأطفال مشكلة قانونية بقدر ما هي أيضاً مشكلة اجتماعية تمس كل الأُسر، خاصة بعد الحرب التي مررنا بها، وما رافقها من حصارٍ اقتصاديٍّ خانق، وسفر معظم الشباب وتركهم لبيوتهم من دون معيل، ما اضطر عدداً  من الأهالي لتشغيل أطفالهم.

وتساءل اليوسفي عن المستفيد من دخول الأطفال للمكب، وضرورة إجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كانوا قد دخلوا من تلقاء أنفسهم أو هناك من قام بتشغيلهم واستغلالهم لقاء بدل مادي، ما يستدعي ملاحقته قانونياً، لأن وفاتهم في المكب مساءلة يُسأل فيها من سمح بها، وإن كان تواجدهم من دون علم أحد، فمن الضروري أن يكون هناك حارس على المكب  يمنع الاقتراب أو لوحات تحذيرية أو إشارات تحذر من خطورة الاقتراب، مضيفاً أن تكرار المشكلة بحد ذاته مشكلة والأطفال والأحداث الذين يقومون بجمع النفايات يقومون بهذا الفعل لقاء بدل مادي وإلا ما الذي يجبرهم على القيام بهذا الفعل؟ والدخول لمكانٍ يعتبر بؤرة جراثيم ومكروبات وأمراض، الأمر الذي يؤكد غياب الرقيب، وبالتالي لا بد أن يقوم النائب العام بملاحقة المسؤول على إجبار الأطفال بالدخول للمكب، وإجراء تحقيق عن سبب دخولهم المكب.

وأوضح أنه في مثل هذه الحوادث، وحتى ولو لم يكن هناك إدعاء من قبل الأهالي عند تنظيم المحضر في شرطة المشفى، هناك حق عام، لأن المحامي العام أو النيابة العامة تمثل الهيئة الاجتماعية والرقيب على سلامة وأمن المجتمع، وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون هناك مدع شخصي لتقوم دعوى، فإمكان النائب العام أو المحامي العام طلب تحقيق لمعرفة سبب دخول الأطفال لمكب النفايات وإذا ثبت من خلال التحقيق أن هناك من يقوم بتشغيلهم، يجب أن تُحرك الدعوى بحقه وأن يلاحق ويعاقب، إضافةً لمسؤولية الأهل وملاحقتهم، مشيراً إلى أن ملاحقة الأهل قد لا تكون بقدر العقوبة الجزائية، وفي حال أظهرت التحقيقات رضا الأهل، يُستدعوا لقسم الشرطة ويجبروا على كتابة تعهد بعدم إرسال أبنائهم وتعريض سلامتهم للخطر.

لاشك أن هذه الحادثة تشدد على ضرورة متابعة الأماكن التي تتواجد فيها مكبات النفايات، خاصة تلك المجاورة لأماكن السكن، لما تسببه من كوارث على  صحة الإنسان والحيوان والنبات، واعتبار البعض بأنها مصدر رزقٍ لهم، ما يدفعهم للعمل فيها مع أطفالهم من دون أي رقيب أو حسيب، لتكون نتيجتها حوادث مؤلمة لغياب وسائل السلامة والأمان والرقابة، وبالتالي موتٌ مجانيٌ صامت.