مجلة البعث الأسبوعية

الأوروبيون صنّاع الموت… “سلوك التوحش” الذي تم تصديره الى العالم

البعث الأسبوعية- قسم الدراسات والترجمة

صحيح أن الأوروبيين عبارة عن أثنيات متنوعة- نحو 87 إثنية أو شعب وفقاً لدراسات متعددة من مصادر أوروبية – ومنها إثنيات كبيرة تشكل الغالبية في بلدانها كالألمان، والفرنسيين، والإنكليز، والإيطاليين، والأسبان، والبرتغال، إلا أن ما يجمعهم هي ثقافة واحدة تقوم على الحضارة  الرومانية – اليونانية.

وما دامت تلك الثقافة هي الجامعة بينهم، فهذا يعني أن صفات تلك الحضارة حفرت عميقاً في سلوكهم عبر القرون الماضية، ولهذا يتصف الأوروبيون بصفة مميزة عن بقية شعوب العالم وهي القسوة الشديدة، أو ما يمكن تسميته “سلوك التوحش”. هذا التوصيف ليس جزافاً، بل حقيقة واقعة، خاصةً أن التعذيب والقتل في الحضارة الرومانية كانا نوعاً من التسلية، فحلبة الموت “الكولسيوم” وسط روما كانت مصدر التسلية والترفيه، خاصةً مشاهدة الأسود المفترسة التي يتم تجويعها ثم إطلاقها على الأسرى الذين يتم إدخالهم إلى الحلبة وسط ضحكات واستمتاع الحضور. كما كانت مسابقات المبارزة التي تنتهي بالموت هي اللعبة الأكثر شعبية لدى الجماهير الأوروبية الرومانية القديمة، ولهذا نجد أن الحروب التي يقتل فيها الملايين كانت أمراً متكرر الحدوث بينهم.

في البداية، مارس الأوروبيون “سلوك التوحش” فيما بينهم، والتي سميت في الأدبيات بـ “عصور الظلام”، ومن الأمثلة على تلك الحروب حرب الثلاثين عاماً التي قتل فيها ما يزيد عن الأحد عشر مليون شخص، ونقص فيها سكان ألمانيا من عشرين مليوناً إلى ثلاثة عشر مليون، ونتج عن ذلك نقص كبير في عدد الرجال فجعلوا تعدد الزوجات إجبارياً، وفي حروب نابليون قتل أكثر من ستة ملايين إنسان، وفي حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا قتل ما يزيد عن الأربعة عشر مليون إنسان، وفي حروب فرنسا الدينية قتل نحو أربعة ملايين، وفي الحرب العالمية الأولى التي بدأت بين النمسا وصربيا قتل ما يزيد عن العشرين مليون إنسان، وفي الحرب العالمية الثانية التي بدأت باجتياح ألمانيا لبولندا قتل نحو خمسة وثمانين مليون إنسان.

تصدير التوحش

وعندما خرج الأوروبيون بسلوكهم المتوحش إلى العالم أحدثوا دماراً وخراباً كبيراً للبشرية، فعندما اتجهوا غرباً إلى أمريكا أبادوا سكانها الأصليين، مستخدمين أبشع الوسائل التي لا تخطر على عقل بشر- مئات الأغطية الملوثة بجراثيم الجدري والسل والكوليرا كهدايا للسكان الأصليين لقتلهم – و قتلوا بذلك الملايين من السكان الأصليين خلال عقود قليلة. كما أعلنوا عن جوائز مالية لمن يأتي برأس أحد السكان الأصليين من الرجال أو النساء أو الأطفال مما جعل الصيادين ينتشرون في أرجاء القارة الأمريكية يجلبون الرؤوس بأعداد هائلة.

وقد تطور الأمر وأصبحت هناك حفلات للقتل يحضرها كبار المسؤولين الأوروبيين، وكانت النتيجة إبادة أكثر من مئة مليون من السكان الأصليين في أمريكا، وتغيير كامل للسكان ليحل محلهم الأوروبيون، فكل دول أمريكا الشمالية والجنوبية اليوم يملكها الأوروبيون بإثنياتهم المختلفة:  فالبرازيليون هم برتغال وإسبان، والأرجنتينيون هم إسبان وإيطاليون، ونجد أن معظم سكان أمريكا الجنوبية هم إسبان، إضافة للإثنيات الأوروبية الأخرى خاصة في تشيلي، والأورغواي، وكولومبيا، وفنزويلا، وغيرها.

وعندما اتجه الأوربيون نحو أفريقيا حولوا الرق إلى تجارة مثل “تجارة الماشية”، فقد كانت الحكومات الأوروبية هي التي تحتكر تجارته، وتضع القواعد المنظمة لهذه التجارة، وكانت أسهم شركات تجارة العبيد هي الأعلى ربحاً. وبعد تحرير تلك التجارة والسماح للشركات الخاصة بالعمل في هذا المجال، أصبحت تلك الشركات تصدر كميات كبيرة من الأفارقة إلى الدول الأوروبية ومستعمراتها في كل أنحاء العالم، فالشركات الفرنسية لوحدها كانت ترسل ما لا يقل عن مئة ألف أفريقي سنوياً إلى المناطق التابعة لفرنسا في أمريكا. أضف إلى ذلك الشركات الإسبانية والإنكليزية والتجار الإيطاليين والألمان والبرتغال وغيرهم، حيث يقدر عدد الأفارقة الذين تم إرسالهم إلى الأمريكتين بالملايين، وكل ذلك كان عملاً مقبولاً تصدر له الحكومات الأوروبية التصاريح اللازمة، ويستثمر فيه الشعب أمواله من خلال شرائه لأسهم هذه الشركات.

أما في آسيا، حين بدأت الحكومات الأوروبية تتاجر بالمخدرات، فقد فعلوا شيئاً غريباً في “إدارة التوحش”، حيث صدرت بريطانيا أول شحنة من المخدرات إلى الصين في العام 1781، وبعد أن بدأت مشاكل الإدمان تظهر على الشعب الصيني، أصدر إمبراطور الصين أول مرسوم بتحريم استيراد المخدرات فأرسلت بريطانيا وفرنسا سفنهما وجنودهما إلى الصين لإجبارها على فتح أبوابها لتجارة المخدرات بالقوة، وبالتالي توقيع اتفاقية “تيان جين” عام 1858 التي تم فيها تحديد الأفيون بصفة خاصة من بين البضائع المسموح باستيرادها، وكان من ثمار هذه الاتفاقية أن ارتفع عدد المدمنين في الصين من مليوناً عام 1850 ليصل إلى مليونين عام 1878، واستمر العمل بهذه الاتفاقية حتى العام 1911.

لقد كانت ثمرة الحروب الأوروبية خارج أوروبا أن أصبحوا “هم العالم”، وذلك بامتلاكهم لمعظم الأراضي اليابسة، فهم اليوم يملكون أمريكا الشمالية والجنوبية بعدما أبادوا سكانها الأصليين، ويملكون أستراليا بعد إبادة سكانها كذلك، فالإنكليز الذين يحكمون بريطانيا يملكون 16 دولة أخرى بالرغم من أنها مسجلة كدول ذات سيادة، ولكنها مع ذلك تقع تحت سيادة التاج البريطاني، وتسمى أقاليم ما وراء البحار البريطانية، وأشهرها كندا وأستراليا وجامايكا. كما أن للفرنسيين أراضي شاسعة حول العالم تشكل ١٣ اقليماً موزعة في قارات العالم المختلفة، وتسمى أقاليم ما وراء البحار الفرنسية. ولك أن تعلم أن دولة صغيرة، وشعب صغير مثل الدانمارك أصبح يمتلك مناطق خارج أوروبا أكبر من دولته بعشرات المرات، مثل غرينلاند، وجزر الفاو. وبذلك أصبح الأوروبيون يملكون مساحات هائلة تفوق حاجتهم بأضعاف كثيرة، معظمها من أغنى المناطق في العالم، وبذلك فهم يمتلكون كميات كبيرة من الثروات التي لا تنضب، وحققوا مقداراً من الرفاهية غير مسبوق على مدار التاريخ بسيطرتهم على العالم. وما زالوا يعملون على إكمال سيطرتهم، من خلال الحروب والصراعات في كل مكان.

سلوك متأصل

إن ما سبق ذكره يمثل عرضاً موجزاً لطبيعة بشرية تأصلت فيها القسوة والتوحش بأبشع صورها لم تنجح في تغييرها المدنية والتحضر، وكل القوانين الوضعية التي تتعلق بحقوق الانسان، ففي التاريخ المعاصر شهدنا مجازر البوسنة التي قتل فيها نحو 300 ألف، واغتصبت فيها نحو 60 ألف امرأة وطفلة، وهجّر نحو مليون ونصف، حيث استمرت المجازر لنحو 4 سنوات هدم الصرب فيها أكثر من 800 بناء بعضها يعود إلى القرن السادس عشر، وأحرقوا مكتبة سراييفو التاريخية.

ومن أبشع ما قام به الأوروبيون في التاريخ الحديث ما حدث في العراق من تعذيب بشع قامت به القوات الأمريكية- 80% من الأمريكان في الأصل هم إنكليز وإيرلنديين وألمان- بعد أن تفجرت فضيحة سجن أبوغريب في العام 2004 حين قاموا بعمليات قتل وانتهاكات، إضافة إلى استخدام الكهرباء والكلاب وكافة وسائل التعذيب ضد السجناء العراقيين.

وبعد العراق، كانت سورية الهدف الأخر لسلوك “التوحش”، حين تكالبت أكثر من 80 دولة أوروبية لزعزعة استقرارها، وممارسة هذا السلوك ضدها عبر تنظيمات إرهابية لم يكن لها وجود إلا بعد تطوير الأوروبيين لنظريات القتل بالوكالة، لكن سورية الضاربة في التاريخ وفي الحضارة الفينيقية انتصرت على حضارة “الكولسيوم”، وأثبتت للعالم أن الجذرو الحقيقية هي التي تبقى وتصمد، أما الاثنيات العابرة للقارات فمصيرها الزوال إلى ما كانت عليه في التكوين الأول.