مجلة البعث الأسبوعية

شباب المقاهي ..دردشات تبحث عن المستقبل ..وجلسات لكسر الملل؟

البعث الأسبوعية

كان الجميع يراقبهم ويراقب تصرفاتهم ويسمع صراخهم وهم يتجادلون ويتحاسبون حول مدفوعات كل منهم الخاصة بفاتورة المقهى  .. وما أثار استغراب الناس أكثر أن أكبرهم  لم يتجاوز عامه الخامس عشر بعد، ولكن طريقة إمساكهم بالسيجارة أو  بالأركيلة وطريقة تدخينهم توحي أنهم يمارسون هذه العادة منذ سنوات عديدة ،وطبعاً لم تعجبهم نظراتنا إليهم واستفزتهم حالة الذهول الواضحة على وجوهنا ونحن نراقب كثافة الدخان الخارجة من أفواههم أو تلك الدوائر الدخانية التي يرسمونها ببراعة وإتقان على وجه الهواء وذلك الحديث بكلماته النابية وشتائمه الخارجة عن حدود الأدب.

وطبعاً هذا المشهد نستطيع رؤيته في العديد من المقاهي التي يبحث أصحابها عن الربح فقط دون اكتراث بالقوانين والأنظمة أو الأدبيات الأخلاقية والاجتماعية فاليوم باتت المقاهي الملاذ للكثير من الأطفال والشبان الصغار والذين يعيشون فترة المراهقة من خلال ممارسة الكثير من التصرفات ذات التداعيات السلبية على أنفسهم أولاً والمجتمع ثانياً ..فهل تخضع هذه الأماكن لرقابة القانون ؟.

بداية القصة

تشير الدراسات الى اول سلسلة للمقاهي، والتي افتتحت في عام 1995 في بريطانيا، ثم اخدت تنتشر في الدول العربية، مع شيوع الانترنت  فيها، واستثمار التجار لفضول الشباب وتعلقهم بالتكنولوجيا  المتطورة، لزيادة ارباحهم من خلال المزاوجة بين خدمات المقهى وخدمة الانترنت، فكانت نسبة مرتاديها تقارب80 % من الشباب، واهم اسبابها البحث والمعرفة والاطلاع على الثقافات الاخرى، ثم مواقع الدردشة التي سجلت اعلى نسبة من استخدامات الشباب ولم تقتصر على فئة عمرية معينة بل شملت من سن 14 الى 50 سنة.

وسائل تسلية

أوقات الفراغ الطويلة لدى الشباب تدفعهم بشكل أو بأخر إلى البحث عن وسائل لتمضية اوقاتهم وتسليتهم ، فالشاب منير الحلبي  يرتاد المقهى يوميا لتمضية اوقات الفراغ الطويلة وكسر الملل اليومي، حيث يذهب إلى المقهى لمدة ثلاث إلى أربع ساعات يوميا،لرؤية أصدقائه وتبادل الأحاديث والأخبار معهم، والدخول الى الانترنت لإجراء محادثات مع اصدقاء له خارج البلد، كما انه يستمتع بالجلوس بالمقهى  “حسب تعبيره” كونه ليس لديه عمل يقوم به في المساء.

للبطالة دورها

ولكن تواجد الشباب في المقاهي لا يقتصر على المساء فقط، بل تلاحظ وجود اعداد كبيرة في الصباح أيضا، مما يؤكد وجود أوقات فراغ طويلة ، وحسب قول الشاب ممدوح الحوش الذي تخرج من كلية الاداب منذ ثلاث سنوات ولم يحظ بفرصة عمل إلى الآن إن بعض الشباب يبحثون عبر الانترنت عن فرص عمل، وخاصة الذين ضاقت بهم الحياة ولم يجدوا فرصة للعمل بعد معاناة وتعب من الدراسة لمدة اربع سنوات حيث يوجد العديد من المواقع التي تعلن عن فرص عمل ويمكن الاستفادة منها ، إلا أنه أكد أن الفرصة الحقيقية هي في مسابقات جدية للتوظيف في قطاعات الدولة، وهو ضمان لمستقبلهم .

تناسب الجميع

أما اكرم سليم وهو طالب في كلية الحقوق في جامعة دمشق فيقول أنه اعتاد ارتياد المقاهي بشكل يومي ، والجلوس في المقاهي افضل من أي مكان اخر، كما ان المقاهي تناسب الشريحة محدودة الدخل، وخاصة من ليس لديهم عمل ويعتمدون على اهلهم في مصروفهم الشخصي ، فلا يوجد مكان يذهبون إليه سوى المقاهي “على حد تعبيره”، فهي تقدم متطلبات الترفيه والتسلية بأسعار مناسبة.

مخاطر المقاهي

ظاهرة ارتياد الشباب لمقاهي هي ظاهرة منتشرة كثيراً وذلك تبعا للتطور التكنولوجي ، مما تؤثر على حياة الشباب الدراسية والاجتماعية والنفسية، وبحسب  الباحثة الاجتماعية  نهاد عطالله ، ولها ايجابيات كثيرة منها التعلم والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في المعرفة وزيادة الخبرات، الا انها تحمل مخاطر عديدة ، فالمقاهي تشكل خليط تحرف الشباب الى سلوكيات خاطئة وسلبية وتبعده عن اسرته ومسؤولياته تجاهها، كما تؤدي الى تشتت افكاره واللجوء الى اساليب غير صحيحة للكشف عن المعلومات الناقصة والخاطئة التي يناقشها مع رفاقه، فقد تكون مواضيع لا تتناسب مع عمر وبيئة الشاب وبالتالي تؤدي الى عدم التوازن النفسي والانحراف ويمكن ان يصاب باضطرابات الصدمة فتؤثر على مستقبله ، ، كما ان المقهى فرصة للدخول الى مواقع مشبوهة او اباحية  دون رقابة اسرية ، وهي ظاهرة تعد خطيرة بالنسبة للصغار وحتى الشباب غير الواعي اذا ما استخدمت الاستخدام الصحيح.

بالمحصلة

إذا أردنا إسقاط الموضوعية والفهم التربوي الصحيح على واقع الحياة  هذه الأيام علينا التأكيد أولاً على دور الأسرة المغيب تماماً في التربية وهي  المجتمع الصغير الذي يخرج منه  الأولاد إلى  المجتمع الكبير وعلى دور المدرسة التي بات الكثير منها حاضنة للتشوهات التي تصيب المجتمع الطفولي خاصة مع غياب الاهتمام بالجانب الأخلاقي وعدم وجود كوادر اختصاصية متمكنة للتدخل والمعالجة السريعة، ولانبالغ عندما نقول إن دور المرشدة الاجتماعية غير موجود على ساحة العمل المدرسي التربوي.

أخيراً يجب أن نكون أكثر وعيا لهذا الأمر كما انها تعد ظاهرة غير سيئة لو استغلت الاستغلال الأمثل ولذلك لابد من تضافر كل الجهود الأسرية والتربوية الرسمية لمحاصرة المظاهر المسيئة والمتزايد ة في هذه الأماكن التي أصبحت من أهم أماكن التجمعات الشبابية ولقاءاتهم اليومية .