ثقافةصحيفة البعث

د. أسمهان الحلواني: لابد من لغة سردية توصل القارئ إلى جزيرة المعنى

ملده شويكاني

“كان بقية الأطفال يلاحقونه في القرية يرمونه بالحجارة ويرددون: سراج المجنون، سراج المريخي، فيصاب بنوبة هستيرية من الصراخ والبكاء، ولم يكن يقصد منزل والده، بل كان يذهب إلى منزل عمته، حيث توجد سليمة التي تكفكف دمعه وتعالج جروحه وتناجي وحدته، وتنعته بالاسم الذي يحب “لورانس”.. لورانس بطل رواية الروائية والشاعرة والرسامة د. أسمهان الحلواني الصادرة عن دار سين، والتي حملت الاسم ذاته، ووقّعتها في صالة الموقف في جرمانا مؤخراً، وهي الرواية الثانية بعد الرفيف إلى بوابة السماء.. “البعث” توقفت معها حول لورانس وعلاقتها بإصداراتها السابقة في هذا الحوار:

لماذا اخترت اسم لورانس الذي يحمل دلالات تاريخية؟

من المعروف أن لورانس يعني التاج المصنوع من ورق الغار، والذي يرتديه القادة دلالة على انتصاراتهم، وقد جذب الكثير من التساؤلات، لاسيما أنه يحمل معنى التتويج، وهذا ما أردتُ عن طريقه تتويج لورانس البطل صاحب اشتقاقات الحيوات الأخرى، وبطل الزمكانية والزمن الآخر والذي لأجله سُميت القرية باسمه.

تناولت في “لورانس” مسائل اجتماعية فهل هي جزء ثان من “الرفيف”؟ وما التقاطعات بينهما؟

الكاتب امتداد نفسه… ولهذا لا يمكن فصل أعماله ونتاجاته عن بعضها بشكل مطلق، لابد من تقاطعات وإن كانت ضمنية، وبين روايتي “الرفيف” و”لورانس” تقاطعات، وأسماها الدعوة إلى المحبة كرسالة سماوية بالوعظ والتبشير. أما عن الشخصيات والأحداث فهي مختلفة، ولكل رواية طابعها المختلف والأجواء الخاصة بها، والتي تحمّل الكاتب على الانغماس بأحداثها المختلفة والعيش مع شخصياتها، وكأنه طرف بتلك الأحداث.

تعقيباً على عيش الكاتب مع الشخصيات، فأين تجدين نفسك في عالمك الروائي؟

أنا أضع في كل شخصية أحد أفكاري وأترك البطولة للعديد منها حتى أغدو رواية محايدة، أفسح فيها المجال للشخصيات بطرح القضايا وجدلية النقاش بحرية، وأخيراً الإمساك بزمام الأمور يأتي من خلال القارئ الذي يشعر بأنه شريك الراوي في اتخاذ القرارات الممكنة، ووضع النهايات المفتوحة على أبواب عدة هو خير مثال على هذا.

دخلت من عالم الشعر إلى الرواية بعد مجموعتيك الشعريتين “وصايا الماء” و”ذاكرة الأرواح” فهل تدمجين بين اللغة الشعرية والسرد الروائي؟

أنا لم ولن أبرح عالم الشعر مطلقاً، فهو أحد وسائلي التعبيرية حين يومض برق الفكرة فارضاً نفسه ببلاغة موجزة تصويرية، ليقبض على الهاجس بفكرة الشعر، فيأتي عذباً طازجاً:

من أنا؟

جريئة حدّ التحفظ

أسيرة حدّ الحرية

طليقة حدّ الرجوع

لكن حين تتراكم الخبرات وتختمر المواقف، يأتي الإلحاح الزمني للتعبير عنها، نكون حينئذ أمام وجوب استيعاب أشمل وأكثر اتساعاً للتعبير، وهذا ميدان الرواية حيث تتقاطع الأحداث والشخصيات والأمكنة في سرد يطرح الكاتب من خلاله كوسيلة للتعبير عن فكره رسالة أدبية يوصل من خلالها ما أراد إلى القارئ، فيطرق قلبه وعقله.

ولابد من لغة سردية تجذف مع القارئ حتى يصل بمركبه بسلاسة إلى جزيرة المغزى، ولا يشترط أن تندمج اللغة الشعرية بالسردية وإن كانت في بعض المواقف لغة سلسة عذبة تعين على إيصال فكرة من خلالها على أن لا تسود وتغلب على اللغة السردية السلسة.

أيمكنني القول: إنك مع تنوع الكاتب مع الأجناس الأدبية؟

نعم أنا مع تنوع الكاتب إذا لم يكن متطفلاً على تلك الأجناس، أما إذا كان جديراً بطريقة تعبيره الفني فهنيئاً له، لأن الفن من وجهة نظري كل لايمكن تجزئته.

من خلال لوحاتك التعبيرية جسدت انطباعاتك وإحساسك بالشخوص، فهل ترين أن اللوحة أداة لتفسير الأدب أم عنصر مكمل له؟

حينما تتعذر لديّ الكلمات أجد في مساحة اللون والريشة هالة التعبير، وهذا يعني أن اختيار طريقة التواصل مع المتلقي يكون كالوحي الذي يوحي. وبالتأكيد العلاقة بين الكلمة والريشة واللون هي علاقة ساحرة تمازجية تكاملية وتفاضلية بامتياز، ولا أخفيك أن هناك العديد من مشهديات الرواية أو الشعر قد جُسدت رسماً بالكلمات… بينما كانت هناك العديد من اللوحات تنطق بألف قصيدة من خلال الحركة اللونية والتصميم التشكيلي… وكأنها الكيمياء والتماهي الذي يشي بسحر الامتزاج بين التصوير والأدب.

متى بدأت علاقتك بالرسم؟

علاقتي بالرسم هي السباقة تماماً كما كانت الرسومات على الكهوف تسبق الأبجديات، وكل إصداراتي حملت بأغلفتها لوحاتي الخاصة، كما قدمتُ العديد منها كلوحات أغلفة للعديد من أعمال الأدباء والشعراء الأصدقاء.