تحقيقاتصحيفة البعث

اللباس المدرسي.. ألوان زاهية وأسعار كاوية ومبادرات تحمي ماء الوجه!

ارتدت أسواق مدينة السويداء حلتها الجديدة، مع اقتراب افتتاح المدارس، بالألوان الزاهية “الزهرية منها والكحلية”، حاضرة بقوة وتنوع في الموديلات لكافة الأصناف من لباس مدرسي، أو حقيبة، أو حتى الأقلام بأنواعها المختلفة، لتعطي للأسواق جماليتها بالشكل، وللمضمون حكاية أخرى تتفرع بين القدرة الشرائية للمواطن، وإمكانية اقتحام تلك الأسواق، وما تحمله الأسعار فيها من غصات خانقة للكثير من المتسوقين، وفي المقلب الآخر، ومع تقارب الألوان، فإن اختلاف الأشكال يوحي بتباين كبير في ملابس تقول وزارة التربية إنها موحدة، لكن هذا التباين الذي يندرج تحت مسمى الموديل أو التصميم، إضافة إلى تدرجات الألوان بين حدي الأزرق والكحلي والزهري، أعطى شركات تصميم وخياطة الملابس الضوء الأخضر في إبداع أشكال متنوعة وتصاميم متعددة، ما جعل هدف توحيد الملابس يبتعد عن مبتغاه، وجعل من عملية توحيد الأسعار أملاً صعباً، لنجد فروقات كبيرة في سعر لباس يفترض أن يكون موحداً في الشكل والسعر، إلا أنه جسّد التفاوت الطبقي في المدارس، وأحرج أبناء الأسر الفقيرة.

جولة في الأسواق

طبعاً الزائر لأسواق كافة المحافظات السورية يجد المشهد ذاته: تشكيلة واسعة ومتنوعة من الملابس المدرسية حرص أصحاب المحلات التجارية على إبرازها، والتركيز على ما يسمى القصة الجديدة لهذا العام التي لا شك أنها ستكون مبرراً لرفع سعر القطعة عدة آلاف إضافية، والأمر أيضاً ينسحب على الحقيبة المدرسية، حيث تبدأ أسعارها  بـ ٢٠ ألف ليرة سورية، وتصل إلى ٣٠ ألفاً في المناطق الشعبية، لتصل في بعض الأسواق إلى ٨٠ ألف ليرة لبعض الحقائب، كما أن القرطاسية المدرسية طالها هي الأخرى ارتفاع الأسعار بشكل لافت، حيث بلغ سعر الدفتر ما بين ألفي ليرة حتى /7/ آلاف ليرة لكل (١٠٠ طبق)، أما (٢٠٠ طبق) فيبدأ سعره من ٨ آلاف  حتى ١٠ آلاف ليرة، وتراوح سعر قلم الرصاص حسب النوعية من ٥٠٠ حتى ١٥٠٠ ليرة، وقلم الحبر من ألف حتى ٥ آلاف.

أما البنطال فيتراوح سعره بين ٢٥-٦٠ ألف ليرة، وكذلك القميص، لتتجاوز أقل تكلفة للباس المدرسي مع الحذاء ١٥٠ ألفاً، وتصل إلى ٣٠٠ ألف، وتختلف الأسعار بين الصعود والهبوط تبعاً للأسواق، وتصنيفها إما شعبية أو غير شعبية، إضافة إلى المولات والماركات.

التاجر وذمته!

يرى “فريد”، وهو تاجر مفرق أن السعر مرهون بذمة التاجر، داعياً لضبط آلية التعامل مع اللباس المدرسي من خلال وضع مواصفات محددة، مشيراً إلى وجود بضاعة متوسطة وغالية، لكن المشكلة أن المجال مفتوح لكل تاجر بأن يحدد السعر المناسب له، حيث تصل البضاعة من دمشق ممهورة باسم المعمل، وتسعيرة ملصقة قابلة للنزع يمكن تغييرها ببساطة، وكتابة السعر الذي يراه التاجر مناسباً ومحققاً لأرباحه الكبيرة.

شهيق وصفير 

بين الشهيق والصفير تنوعت ردود فعل الأهالي المجبرين على تأمين اللباس المدرسي، وهم يشعرون بالإحراج أمام أبنائهم الذين يشترطون شكلاً معيناً للقميص أو البنطال، وحقيبة تنسجم مع الموديل نفسه، ما جعل الأهالي بين فكي كماشة، “وويل لمن لديه أكثر من طالب في المدرسة”، فهو سيدفع فاتورة باهظة تضاف إلى فاتورة المونة المرهقة، هذا الجنون بالأسعار دفع الأهالي للبحث عن حلول بديلة تخفف المعاناة، فأم تيسير لديها أربع بنات في المدرسة، تقول إنها استفادت من لباس السنة الماضية ودفاتر بناتها القديمة لتأمين جزء من حاجات البنات الأصغر سناً، حيث تقوم بإفراغ الأوراق المكتوب عليها من دفاتر الفصل الثاني للعام الدراسي السابق، وتبقي الصفحات البيضاء، وهكذا حتى تصل إلى البنت الكبرى، فتشتري لها ما تحتاجه من مستلزمات مدرسية من دكاكين المدينة وليس من شوارعها الرئيسية ذات الأسعار الكاوية والضرائب المرتفعة والإنارة الجاذبة، موفرة بذلك بعض التكاليف الزائدة، وإن كان هذا الإجراء سيضع أولادها في خانة الحرج، ولكن لا مفر منه أمام ضرورة التقيد باللباس المدرسي.

حال أم تيسير يشبه حال الكثيرين وإن اختلفت طريقة المعالجة، فالطفل محمد وهو وافد من محافظة ادلب، وناجح إلى الصف الخامس، وجد في بيع الجوارب منفذاً لتأمين ثمن حقيبة مدرسية، أما اللباس المدرسي فهو من السنة الماضية، وفي السوق ذاته نجد عشرات الأطفال يسعون للهدف ذاته.

تدخل إيجابي

تحت مسمى التدخل الإيجابي، أعلنت السورية للتجارة افتتاح معارض للمستلزمات المدرسية، والهدف بيع تلك المستلزمات بسعر أقل من الأسواق بنسب تصل إلى ٣٠%، ولكن في مقارنة بسيطة نجد أن الأسعار هي ذاتها إذا ما أخذنا جودة اللباس مقياساً لتحديد الأسعار، فبعض الأسواق الشعبية توجد فيها مستلزمات أقل سعراً من أسعار المؤسسة، ومع ذلك لا يمكن إغفال الدور الذي تقوم به المؤسسة في تأمين المستلزمات المدرسية بسعر مخفض، وكذلك توفير قرض بسقف وصل إلى 500 ألف من دون فوائد للعاملين في الدولة، وتسديده خلال عام.

مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة في السويداء ربيع غانم أكد أن المستلزمات المدرسية موجودة في عدد من صالات السورية للتجارة في المحافظات، لافتاً إلى أن الشريحة المستهدفة من التقسيط هي العاملون الدائمون في الدولة، والعاملون بعقود سنوية غير منتهية خلال فترة التقسيط، موضحاً أن للموظف الحرية المطلقة بشراء المستلزمات المدرسية التي يريدها بالسقف الأعلى من القسط المحدد، أو بأقل من ذلك، وهذا يعود لرغبته وحسب حاجته.

وعن أسعار المستلزمات المدرسية في صالات السورية للتجارة، يصر غانم على أن الأسعار أقل من السوق بنسبة لا تقل عن 35 بالمئة، وكل المواد الموجودة ذات جودة ونوعية ممتازة تلبي جميع طلبات واحتياجات الأهالي وأبنائهم.

مبادرات اجتماعية

بدأت صفحات التواصل الاجتماعي بنشر أخبار عن بيع الملابس المدرسية المستعملة، حيث تلقى رواجاً كبيراً لانخفاض أسعارها عن الجديدة المتواجدة في الأسواق، لأن شراء عدة مدرسية جديدة بات يحتاج ميزانية خاصة، كما نشرت الصفحات أيضاً العديد من المبادرات التي انطلقت في معظم قرى المحافظة لتأمين جزء من الاحتياج المدرسي.

وليد الحمود من مكتب التنمية البشرية في محافظة السويداء أكد أن دعم العملية التعليمية أولوية بالنسبة للمجتمع المحلي في المحافظة، وهي أول محافظة احتفلت بخلوها من الأمية، مشيراً إلى أن المكتب حريص كل الحرص على دعم العملية التعليمية ما أمكن، لافتاً إلى وجود العديد من أصحاب الأيادي البيضاء من المغتربين، ومن الموجودين داخل البلد الذين يقدمون المساعدات العينية والمادية للطلاب في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى جمعيات تعنى بالتعليم، وأخرى بالصحة، وجمعيات تنموية وخيرية، وجمعيات لتنمية المهارات وتعليم الحرف، ونوّه الحمود إلى إطلاق العديد من المبادرات لتوزيع اللباس المدرسي المجاني أو القرطاسية، وطالب بإحداث قاعدة بيانات مركزية بهدف تنسيق العمل، وتحقيق سهولة الوصول للمحتاجين.

لباس مجاني

ليس من المستحيل لو تم التفكير جدياً بموضوع توزيع اللباس المدرسي مجاناً على الطلاب، أو على الأقل بسعر رمزي، والبحث عن منافذ لتمويل المشروع من خلال غرف التجارة والصناعة والجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية، وغيرها من الفعاليات التي تقدم مبادرات، ويبقى المهم توحيد جهود هذه الفعاليات لتنعكس أثراً ملموساً وإيجابياً، وتحمي ما تبقى من ماء وجه أسرنا، والأهم إخراج اللباس المدرسي من دائرة الربح والخسارة، لذا لابد من ناظم يضع الهدف التنموي التعليمي، وهذا ينطلق أولاً من توحيد اللباس شكلاً وسعراً، وكذلك اللون، وإلزام الشركات المصنعة بذلك.

 

رفعت الديك