تحقيقاتصحيفة البعث

رحلة البحث عن الدفء بدأت.. طن الحطب بمليون ليرة و”سوق الحرامية” شر لا بدّ منه!

لم يكن التفكير بلهيب أشعة شمس “آب اللّهاب” وكيفية الاحتماء من حرّها هو ما يشغل بال المواطنين، لاسيّما وأن نار فصل الصيف تعتبر بالنسبة للكثيرين جنّة مقارنة بالشتاء وهمومه الكثيرة وبرده غير الممكن تفاديه في حال عدم توفر وسائل التدفئة التي بدأت تتناقص عاماً تلو الآخر وسط وقوف المعنيين مكتوفي الأيدي عن التقدم خطوة للأمام في توفير المازوت أو الغاز أو زيادة ساعات التغذية الكهربائية، لاسيّما وأن هذه الوعود تتكرر في مطلع كل فصل صيف لتتلاشى مع بداية أول قطرة مطر تحت حجج مُبهمة، تاركين خيار زيادة عدد الأغطية حلاً وحيداً أمام المواطن الذي تبدأ رحلة بحثه عن مازوت الشتاء مع بداية كل صيف!.

سوق “الحرامية”

صفحات حقيقية ووهمية تتغنى بنشر “بيدونات” البنزين والمازوت والغاز السائل على صفحاتها التي يجد فيها البعض حاجتهم في حال توفر المال، وفي الكثير من الأحيان يتم شراء مادة الغاز منها على حساب مصروف طعامهم ولباسهم، خاصّة بعد تجاوز رسائل الحصول على المادة الـ 3 أشهر، فمن يراقب هذه الصفحات يجد انتعاشاً لها خلال هذا الشهر من خلال إقبال “طبقة معيّنة” على شراء مادة “مازوت الشتاء” بأسعار خيالية، إذ تجاوز سعر الليتر الـ 7000 ليرة في بعضها في حين تجد البعض لا زال “رحمانياً” حسب قولهم ببيعه بـ 6000 ليرة، وفي حال رفضك للسعر يكون الرد”هي الموجود ورح يغلى بالشتي أكتر”، الأمر الذي يخلق عشرات إشارات الاستفهام حول تخفي الجهات المسؤولة خلف إصبعها وغضّها النظر عن هذه الصفحات التي يمكن معرفة القائمين عليها بسهولة، ناهيك عن السوق السوداء العلنية في وضح النهار على طريق اوتستراد “دمشق- حمص” والتي يمرّ بها من المؤكد المسؤولون خلال جولاتهم التفقدية على المحافظات دون أدنى تفكير بضبط هذه السوق التي باتت أشد لعنة من السوق المحلية خاصّة وأن لها أسعار “تزيد لا تنقص” بناء على قرارات مافياتها الذين أطلق عليهم رئيس الحكومة خلال اجتماعه مع مجلس العمال تسمية  “سوق الحرامية” مطالباً المواطنين بمساعدة الحكومة لضبط السوق والاكتفاء بمخصصاتهم من المحروقات التي وضعتها لهم الحكومة لا التواطؤ مع هؤلاء التجار والشراء منهم.

 مازوت صناعي

ومع انصياع أغلب المواطنين العام الماضي لطلب الحكومة ومقاطعة هذه السوق “لقلّة الحال” مكتفيين بـ”50″ ليتر التي وُزّعت على أغلبهم العام الماضي، كان البرد والمرض حليفاً لهم، وتكبّد الخسائر المادية في عيادات الأطباء والصيادلة هو ما نابهم جرّاء هذا التوزيع غير العادل، في حين لجأت شرائح أخرى إلى بدائل “موجودة باليد” كتقطيع الحطب الذي بات عرفاً في الريف السوري المائل إلى التصحّر في المستقبل القريب، أو شراء ما يسمّى بالمازوت الصناعي عبر تقنية “الواسطة” دون اللجوء إلى وسيط يملك منشأة صناعية ويبيعها بالسعر الحر!.

بورصة الحطب

تأخر تصريحات الجهات المسؤولة بالإعلان عن البدء بتوزيع مخصصات المواطنين من مادة المازوت المنزلي رجّحت كفّة البحث عن البدائل لجهة شراء الحطب والاستغناء عن مدافئ المازوت والغاز والكهرباء التي هي الأخرى ملأت صفحات التواصل الاجتماعي بأشكالها وأنواعها المستعملة والتي لم تعد تؤدي غرضها في ظل غياب المحروقات، لنشهد اليوم بورصة حقيقية في سوق المستعمل للمدافئ من جهة وسوق الحطب من جهة أخرى، إذ لم تعد مدافئ الحطب حكراً على الأرياف بعد أن استبدل معظم سكان المدن مدافئهم الأساسية بمدافئ الحطب، الأمر الذي استغلّه تجار الحطب الذين انتعش سوقهم خلال السنوات الأخيرة لاسيّما مع هجرة الفلاح لأرضه بعد تكبّده خسائر متزايدة وتركه أشجار الحمضيات والتفاح عرضة للتحطيب من قبل شبكة تتجول خلال هذه الأشهر في القرى لاصطياد زبائن ممن لا حول ولا قوة لهم في تعويض خسائرهم سوى ببيع حطب الأشجار بعد أن خانتهم ثمارها في تأمين مصدر رزق لهم، خاصّة وأن سعر طن الحطب لهذا العام يبدأ من المليون ليرة حسب ما أكده الفلاحون ممن بدؤوا بعملية البيع والشراء، ناهيك عن تحول الغابات في تلك المناطق إلى أشباه غابات بعد تحطيبها من الداخل وترك الواجهة خضراء على الطرقات العامة خوفاً من المساءلة القانونية.

تهريب من وإلى

أسئلة كثيرة حملناها إلى الجهات المعنية التي فضّلت الاختصار والتهرّب من الإجابات تحت مبررات غير منطقية، مكتفين بما صدر عن محافظ دمشق ببدء توزيع مازوت التدفئة للموطنين في 15 من أيلول المقبل حتى شهر أيار دون الخوض في تفاصيل كمية التوزيع وآلية التوزيع التي ستُبقي المواطن في تخبّط إلى حين إنجاز الدراسات والخطط لتوزيع “القلّة القليلة” عليه والتي على ما يبدو تحتاج لأشهر طويلة للانتهاء منها، في حين تكتفي مديرية حماية المستهلك بضبوطها “الشكلية” عبر وسائل الإعلام لما ندر من تجار صغار في السوق السوداء لبيع المحروقات، لاسيّما وأن امتداد هذا السوق لم يعد له نهاية ولم تعد الضبوط والإجراءات المتخذّة بحق المخالفين رادعة لهم، لنتجه بسؤالنا إلى وزارة الزراعة المختصّة بالحفاظ على ما بقي من ثروة حراجية والتي أكدت لنا على لسان مستشار وزير الزراعة لشؤون الحراج الدكتور علي ثابت تشكيلها فرق خاصّة من العاملين في وزارات مختلفة لمراقبة وضبط ظاهرة الاحتطاب الجائر في الغابات والحراج في كافة المحافظات، لافتاً إلى أن هذه الإجراءات تتكرر في كل عام وعلى الرغم من تشديدها عاماً تلو الآخر إلّا أنه لم يتم القضاء جذرياً على القطع الجائر للغابات، ولم يخف ثابت وجود عمليات تهريب للأخشاب في الاتجاهين “من وإلى البلد” عبر سيارات ودراجات نارية تم ضبط العديد منها ومصادرتها وحجزها في المديرية.

 مراكز تجميع

وحول عمليات مراقبة الغابات تحدث ثابت عن وجود مخافر حراجية في كل منطقة بالإضافة إلى وجود حراس على مستوى كل موقع لكن المشكلة تقع في قيام عمليات التحطيب خلال أوقات الليل مستخدمين في بعض الأحيان أسلحة لترهيب الحراس والقائمين على حماية المواقع ومن ثم قطع الأشجار ونقلها عبر الدراجات النارية إلى مراكز تجميع متفق عليها وصولاً إلى الأسواق والمواطنين، وحول كيفية التعامل مع الضبوط تحدث المستشار ثابت عن وجود ما يسمى الضابطة الحراجية التي تحوّل الضبط إلى المحكمة وعن طريق ممثل الدعاوى الحراجية في وزارة العدل يتم استدعاء المخالفين المذكورين في الضبط  وإحالتهم إلى القضاء المختص أصولاً لفرض العقوبات الرادعة بحقهم في ضوء القوانين والأنظمة النافذة.

مسكّن تمويني

بدوره لم يلق عامر ديب عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها  اللوم الكامل على عدم وجود كميات توزيع لمازوت التدفئة بل يكمن الخلل برأيه في آلية التوزيع والقائمين على العملية بدءاً من المدير وانتهاءً ببائع المازوت، لافتاً إلى أن البطاقة الذكية لم تستطع حل 50% من مشكلة توفير المادة للمواطنين خلال فصل الشتاء، واستنكر ديب  التراخي الكبير في عمليات الضبوط من قبل الوزارة وغياب عقلية كشف الصفحات الفيسبوكية المُتاجرة علناً بالمادة وإحالتها إلى الجرائم الالكترونية لمتابعتها وإحالة المخالفين للقضاء المختص، مشدداً على ضرورة رفع عقوبة المخالفين “غرامة وسجن” للردع ذلك أن الضبوط برهنت أنها لا تحل أزمة بل هي مجرّد مسكن تمويني، وتحدث عضو مجلس الإدارة عن أهمية تطبيق المرسوم رقم “8” بحذافيره كونه أقوى مرسوم اقتصادي أوجد عملية موازنة بين احتياجات المستهلك ومصالح التاجر وفق القانون، وهو للأسف ما تغفل عنه الوزارة من خلال استخدامها له كأداة تهديد، ولفت عضو مجلس الإدارة إلى أن انسياب المازوت في السوق السوداء هو “سلوك شعبي” لا علاقة للحكومة به، بل على العكس فما يحصل هو بناء الحكومة لقراراتها وفق هذا السلوك الشعبي الذي أثبت دوره الكبير خلال الأزمات إمّا سلباً أو إيجاباً.

ميس بركات