ثقافةصحيفة البعث

رحيل الفنان التشكيلي علي الكفري

أكسم طلاع

افتُتح أيلول لهذا العام بفقدان أحبّة يلتحقون بمن سبقهم إلى النهاية المحتومة، إنه الموت الذي غيّب منذ أيام الفنان التشكيلي السوري ممدوح قشلان، وتبعه بيومين الشاعر الفلسطيني كمال سحيم، وبالأمس فقدنا الفنان التشكيلي الفلسطيني علي الكفري الذي تعرّفت عليه منذ ما يقارب الأربعين عاماً. عرفت فيه الفنان الدؤوب والمكتنز بروح المغامرة والمنافسة مع الأقران، فلم يكن يهدأ أمام محاولات التجديد وتتبع تقنيات جديدة في التصوير الزيتي وتجريب الأحبار والأصبغة على خامات القماش والكرتون، وقبل ذلك بسنوات طويلة حين كان يعمل في منظمة طلائع البعث نفّذ عشرات بل مئات الأعمال الجدارية برفقة الأطفال في أيام المهرجانات القطرية التي تعقد في المحافظات من درعا إلى اللاذقية ومن القنيطرة إلى الحسكة، بمشاركة بعض الفنانين من المنظمة مثل: الراحلين محمد الوهيبي وغازي الخالدي وعايش طحيمر وفاضل زكريا، كما عمل في مجال رسوم قصص الأطفال وإخراج مطبوعات ومنشورات الطفل، وكانت مجلة الطليعي هي بيت أولئك المشتغلين مثل أنور الرحبي وعبد الهادي ذياب وسرور علواني وغسان السباعي.. وخيارات النص بعهدة كلّ من الشاعر الراحل عيسى أيوب وجمانة نعمان.

في تلك الفترة وقبلها بدأت تظهر علامات الفنان على تجربة علي الكفري الذي اختطّ تعبيراً خاصاً تميّز بتناول المواضيع الوطنية والإنسانية، وتركز فيما بعد بجوهرة تجربته وهي القضية الفلسطينية، فقد شارك في المؤتمر التأسيسي الأول لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين وأصبح أحد ركائز فرع الاتحاد في سورية مع الفنان عبد المعطي أبو زيد ومصطفى الحلاج وعبد الحي مسلم ومحمود خليلي وزكي سلام وموفق السيد.

لا يمكن تقسيم سيرة علي الكفري الفنية إلى مقاطع أو مراحل مثل باقي التجارب المعروفة، لكن الجذر الأساس في تجربة الراحل والقاسم المشترك في هذه السيرة الطويلة هي التنقل بين تقنيات الرسم واستمرارية البحث والتجريب والاستعارات من تجارب أخرى بغية الوصول لمنتج نهائي يرضي المتلقي والفنان معاً، فقد أنتج مئات اللوحات التي تمثّل المرأة وتتضمن معالم تراثية وتزيينية زخرفية، إلا أن اللوحة الأهم تعود إلى بداية الثمانينيات وتمثل عجوزاً فلسطينياً بالزي الفلسطيني التقليدي يجلس في ظل شجرة زيتون، هذه اللوحة التي تمثل حق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم وحقهم في زيتونهم وترابهم ودليلاً على تجذّر القضية الفلسطينية في الوعي الفلسطيني الذي يتمسّك بحقه ولا يتنازل عنه.

علي الكفري الفنان الذي بدأت علامات المرض عليه منذ سنوات كان عنيداً أمام مرضه يدفع به بعيداً عنه بالرسم والفن والتمسك بالحياة، إلا أن الجسد المنهك يسقط أخيراً في نهايته الأبدية ويبقى ما صنعته النفس من حبّ وأثر جميل.. هذا الفنان ستبقى ذكراه كأحد أولئك المؤسّسين للفن الفلسطيني في الشتات ومواطن اللجوء الفلسطيني.