ثقافةصحيفة البعث

“نوم عميق” و”العين السّاحرة” في بيت السّينما

نجوى صليبه 

في لقائهم الرّابع، اختار القائمون على مشروع “بيت السّينما” أن يكون العرض سورياً وتحديداً لشابين ولجا هذا العالم من بابه الواسع والصّعب بعد أن أنهيا دراساتهما الأكاديمية وخرجا إلينا بتجارب مهمّة ومميّزة إحداها حصلت على جوائز عالمية، فكان جمهور السّينما على موعد مع “العين السّاحرة” و”نوم عميق”، وكذلك كان المخرجان على موعد مع جمهور ملأ صالة “الكندي” بالحبّ والشّغف والوفاء.

أمّا “العين السّاحرة”، ففيلم متوسّط أخرجه حازم زيدان وكتبه بالشّراكة مع أمير أبو الخير، وأنتجته المؤسسة العامّة للسّينما في عام 2018. وعلى الرّغم من أنّه أوّل فيلم احترافي لزيدان فقد نال جائزتين في أوّل مشاركة خارجية له، وهما جائزتا أفضل فيلم أوّل وأفضل تصوير في المسابقة الرّسمية لمهرجان “بيترهوف السّينمائي” في مدينة سان بطرسبورغ الرّوسية، كما منحت إحدى أعضاء لجنة التّحكيم تنويهاً بالفيلم الذي يحتفي بالصّورة لوناً ومشهداً ومكاناً، مانحاً إياها خيالاً يبتعد فيه عن الواقع قليلاً ويقترب من الحكاية قليلاً، حكاية تعلنها أم كلثوم بصوتها القادم من مذياع قديم يطفئه صاحبه “جابر جوخدار” ليستمع من خلف الباب وعبر “العين السّاحرة” لصوت حبيبته “لمى بدّور” توصيه بألّا ينسى أموراً كانت في الماضي توصيه بها دائماً كأن يطعم السّمكات، وترحل بعد أن تصرّح بشوقها له، أمّا الشّخصية الثّالثة “سامر إسماعيل” والتي يعتقد أنّها الطّرف الأوّل في الحكاية فهو الرّجل القوي والجامح والمخدوع أيضاً، إذ يكتشف خيانة حبيبته أو زوجته ويطردها من منزله الذي يحرقه بما فيه من أغراض وذكريات، ويتحضّر بعدها لتأدية الخدمة الإلزامية، ويعود المذياع إلى أم كلثوم معلناً نهاية حكايته وبداية أخرى في “نوم عميق”.

وفي “نوم عميق” – إنتاج 2020 – يشتغل المؤلّف والمخرج خالد عثمان على الحكاية الواقعية أكثر، متناولاً قضية إنسانية واجتماعية مهمّة وهي الوحدة التي يشعر فيها الآباء بغياب أبنائهم وانتظارهم الموت بل والتّحضّر له، ولاسيّما خلال سنوات الحرب وبعدها، إذ يروي قصّة زوجين متقاعدين عبّاس النّوري (راغب) ووفاء موصللي (عودة) يعيشان في منزل واسع بمفرديهما بعد هجرة ابنهما الوحيد “جابر- همام رضا” الذي يتزوّج من أجنبية وينجب منها طفلاً يؤدّي دوره الطّفل تاج خالد عثمان.

حياة للوهلة الأولى تبدو رتيبةً لكنّها في الحقيقة ليست كذلك، إنهما يتشاجران كأي زوجين حديثين، شجار وجدال لا يصلُ حدّ القطيعة أو المعركة، بل يبقى في حدود الّلوم على عدم السّفر وعدم إنجاب أولاد أكثر، وسرّاً يبحث (راغب المخرج المتقاعد) عن تابوت بسعرٍ مقبول لكي يستريح فيه عندما يحين الرّحيل وذلك بمساعدة صديقه وجاره “أبو الياس- جمال العلي”، لكن الأقدار لا تأتي كما نهوى فتخطف زوجته قبله ويغطّ في نوم عميق على صوت شخيرها الذي تحتفظ به آلة التّسجيل كما تحفظ كلّ الرّسائل الصّوتية التي أرسلها ابنهما.

يركّز عثمان هنا على النّفس والرّوح البشرية، فنجد الزّوجة متمسكةً بالعادات والتّقاليد والواجب الدّيني، بينما زوجها يصرّح أنّه تخلّف كثيراً عن هذه الواجبات ويلومه البعض في ذلك، وكلّما سمع أجراس الكنيسة تدقّ معلنةً وفاة أحد، يقول: أبونا كلّ يوم هناك موت.. صرنا نعزّي بأناس نعرفهم وأناس لا نعرفهم، وفي مقام آخر يقول لزوجته: إن هاجرت كم من الوقت سأستغرق لكي أتعرّف على ذاتي، أنا هنا وبالكاد أعرف نفسي!. فكرة جادّة ومصيرية يطعّمها عثمان ويكسر حدّتها بنكتة لطيفة وخفيفة، ولاسيما في مشاهد (راغب) والخوري -فايز قزق- الذي يساعده في التّواصل مع ابنه ولاحقاً في استكمال جنازة زوجته.

كانت هذه إضاءة على فيلمين سينمائيين من أفلام سورية قصيرة ومتوسطة الطّول يسعى مشروع “بيت السّينما” لإيجاد فرص عرض لها بالتّنسيق مع المؤسسة العامّة للسّينما والمخرجين الشّباب الذين خصّهم عبّاس النّوري بالقول: خالد عثمان وحازم زيدان والسّدير مسعود، وشباب غيرهم يعرفون أنفسهم.. أثبتم وتثبتون امتلاككم للمشاريع النّظيفة والحيّة.. جيلكم جيل الثّقافة في مرحلة هي من أكثر مراحلها وجعاً في بلدنا.. واجهتم قسوة الظّرف ومحنة البلد وتعاملتم معها بفكرٍ حرٍّ وخضتم معركة الجدارة في مساحة يبدو البحث فيها عن ذلك صعباً جداً.. الغد قادم ولا أحد يمكنه منع ذلك.. فيلم خالد عثمان نام أربع سنوات، لكنّه عُرض مؤخّراً ليوقظ طموح صاحبه ولا أشكّ بأنّ هذا هو حال الشّباب.