مجلة البعث الأسبوعية

خان أسعد باشا… روعة الزخرفة والتنسيق واختصار لحضارات دمشق

البعث الأسبوعية- المحررة الثقافية

14 شهر فقط، قرابة العام من أيام الشعر والرومنسية تكفي لتنسج جنيات الحكايات أساطير سورية معتقة وهي المدة التي اقتضتها السرعة الفائقة مع الإتقان العالي لبناء تحفة من تحف دمشق العريقة ألا وهي خان أسعد باشا، والتي لم يتمالك الشاعر الفرنسي الرومانسي لامارتين نفسه من الدهشة عندما دخل إلى الخان العظيم فصاح معجباً: “هذا أجمل خانات الشرق”، وبعد أن تأمل قبابه الضخمة المحمولة على العضائد قال: “إن شعباً فيه مهندسون لديهم الكفاءة لتصميم مثل هذا الخان وعمال قادرون على تنفيذ مثل هذا البناء لجدير بالحياة والفن”.

وسط سوق البزورية، أحد أعرق الأسواق الدمشقية والعالم، رائحة ذكية تنبعث من المحال التجارية التي تنشر جميع أنواع التوابل بشكل فني يظهر ألوان وتناغم منتجاتهم المعروضة على واجهتها وأمامها، تترافق بضجيج كبير ناتج عن ازدحام مرتادي السوق، الذي يختصر مكانة دمشق الاقتصادية والفنية وهي إحدى أهم محطات طريق الحرير.

الخان الذي يتميز بهندسته البديعة، يختصر حضارات مرت على دمشق بدءاً من الإغريقية والرومانية وصولاً إلى الإسلامية، ويبقى شاهداً على عظمة أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وانعكاساً على انفتاح أهلها الفكري والثقافي.

الخان

تم البدء ببناء خان أسعد باشا عام 1751 بأمر من والي دمشق أسعد باشا العظم، وتم الانتهاء من تشييده سنة 1753، بحسب مقولة المؤرخين الذين عاصروا بنائه، وكلمة خان مشتقة من الفارسية وتعني المبيت “كرفاي سراي”، وكانت الغاية من بنائه في تلك الفترة هي وجود مكان لتبادل البضائع واستراحة التجار، بفضل موقع دمشق الاستراتيجي على طريق الحرير.

ازدهرت دمشق اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، في فترة حكم أسعد باشا الذي كان مستقلاً نوعاً ما عن الأوامر السلطانية في الأستانة، لذلك أصبحت على مستوى عالٍ من الفكر والثقافة.

بناء خان أسعد باشا

خان أسعد باشا مبني من الحجر في هيكل أقرب إلى الحصون والقلاع منه إلى الدور، وهو على هيئة ساحة مربعة على جوانبها غرف من طابقين، وكان في إحدى جوانبه إسطبلات للدواب، بينما يبيت المسافرون في الطوابق العلوية، لحمايتهم من قطاع الطرق، ومن كان منهم من خارج المدن لا يستوفى منه أجر المبيت.

يعتبر خان أسعد باشا أكبر خان في الشرق تبلغ مساحة الخان 2500 متر مربع، ويتميز بواجهة عريضة في وسطها بوابة ضخمة مزخرفة، يعلوها سقف مزخرف بقوسين بارزتين متشابكتين وفوقهما تجويف من المقرنصات تحيط به قوس مركبة من أحجار متشابكة مسننة بلونين أبيض وأسود متناوبين، وفوقهما نافذتان وعلى جانبي القوس من الأعلى نوافذ مستطيلة، ومن الأسفل فتحتان مزودتان بزخارف مميزة.

وفي واجهة البناء الجنوبية الغربية هناك 31 مخزناً، وبعد دهليز عريض يستوعب غرفتين للحراسة ومصعدي الدرجين ثمة باحة ذات فتحة سماوية دائرية توحي أنها كانت مغلقة بقبة، وفي وسط الباحة بركة مثمّنة، وجدران الباحة التي تشكل واجهات الغرف مبنية بالحجر الأسود والأبيض، وتحيط بالفتحة السماوية ثماني قباب تغطي الباحة عدا مركزها بمساحة 729 متر مربع.

يتألف هذا الخان من طابقين: الطابق السفلي يحوي واحداً وعشرين مخزناً أكثرها مزود بمستودعات، وفي القسم الشمالي الغربي مسجد صغير ينفتح إلى خارج الخان، ويتألف الطابق العلوي من أروقة مشرفة على الباحة، وخلفها خمس وأربعون غرفة، وجناح للحمامات، والغرف جميعها مغطاة بقباب صغيرة، وذات أبواب ونوافذ ما زالت تحتفظ بأصالتها مع أقفالها. وتختلف عن نموذج الطابق الأرضي بالإضافة إلى وجود غرفة “الخانجي” وهو مدير الخان، حيث إن غرفته كانت مطلة على السوق ليراقب حركة السوق والقوافل الداخلة إلى الخان.

أما إسطبل الخان فهو خارجي وموجود في نزلة سوق الوراقين في الطرف الثاني من مدحت باشا، والإسطبل حالياً غير موجود وهناك خانات في دمشق كان الإسطبل فيها ضمن الخان.

وفي الحقيقة، واجهة هذا الخان ومشهده الداخلي يثيران الإعجاب بروعة الزخرفة والتنسيق اللوني، مع دراسة رائعة للفضاء الداخلي.

على طرفي البوابة يوجد ثلاث أعمدة مزخرفة، وهذه الزخرفة من الفترة اليونانية السورية وترجع للفترة الهلنستية التي أسس فيها سلوقس نيكاتور الدولة السورية 312 قبل الميلاد، والزخرفة مجدولة، والتاج أيوني، ويوجد أيضاً على طرفي البوابة سبيلان ماء ومازالا يعملان حتى يومنا هذا، والمياه من نبع الفيجة وعلى السبيل دائرة تسمى معمارياً عين البقرة وتعود للفترة الإسلامية والحجر أبلق أي أبيض وأسود بالتناوب الذي اشتهرت به دمشق.

وعند العتبة الأولى يوجد قوسان دائريان هي التي تفضي إلى المدخل الثاني والقوس يعود إلى الفترة الرومانية.

 مركز للنشاطات

يعتبر الخان منذ افتتاحه عام 2005 معلماً ومركزاً للنشاطات الثقافية والفنية في سوريا، حيث عقدت فيه مؤتمرات على مستوى عالٍ جداً حضرها الكثير من المسؤولين مما أدى إلى نقلة نوعية للترويج لهذا المكان وأصبح اختيار الخان لعقد تلك المؤتمرات مناسبة للتعريف بحضارة سوريا وإرثها الثقافي والفني.

واستضاف الخان العديد من المؤتمرات الدولية حضرته شخصيات مرموقة بينها مؤتمرات عن النقد والخيول العربية الأصيلة وعروض أزياء، ومهرجان التراث والحرف اليدوية، ندوات حوارية وثقافية، ومعرض للأماكن الأثرية التي تعرضت للتخريب والهدم خلال الحرب أفاميا، ماري، إيبلا وتم توثيقها بمعرض فوتوغرافي أقامته المديرية العامة للآثار والمتاحف ما بين عام 2013 و2014، مهرجان الكتاب المتعلق بالتراث، ملتقيات ثقافية للفنانين التشكيليين مهرجان الخريف ومهرجان الربيع، فضلاً عن تصوير العديد من المسلسلات في الخان مثل الحلاج موسيقى الجنريك لمسلسل حرملك وغيرها.

 

خان أسعد باشا… روعة الزخرفة والتنسيق واختصار لحضارات دمشق

البعث الأسبوعية- المحررة الثقافية

14 شهر فقط، قرابة العام من أيام الشعر والرومنسية تكفي لتنسج جنيات الحكايات أساطير سورية معتقة وهي المدة التي اقتضتها السرعة الفائقة مع الإتقان العالي لبناء تحفة من تحف دمشق العريقة ألا وهي خان أسعد باشا، والتي لم يتمالك الشاعر الفرنسي الرومانسي لامارتين نفسه من الدهشة عندما دخل إلى الخان العظيم فصاح معجباً: “هذا أجمل خانات الشرق”، وبعد أن تأمل قبابه الضخمة المحمولة على العضائد قال: “إن شعباً فيه مهندسون لديهم الكفاءة لتصميم مثل هذا الخان وعمال قادرون على تنفيذ مثل هذا البناء لجدير بالحياة والفن”.

وسط سوق البزورية، أحد أعرق الأسواق الدمشقية والعالم، رائحة ذكية تنبعث من المحال التجارية التي تنشر جميع أنواع التوابل بشكل فني يظهر ألوان وتناغم منتجاتهم المعروضة على واجهتها وأمامها، تترافق بضجيج كبير ناتج عن ازدحام مرتادي السوق، الذي يختصر مكانة دمشق الاقتصادية والفنية وهي إحدى أهم محطات طريق الحرير.

الخان الذي يتميز بهندسته البديعة، يختصر حضارات مرت على دمشق بدءاً من الإغريقية والرومانية وصولاً إلى الإسلامية، ويبقى شاهداً على عظمة أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وانعكاساً على انفتاح أهلها الفكري والثقافي.

الخان

تم البدء ببناء خان أسعد باشا عام 1751 بأمر من والي دمشق أسعد باشا العظم، وتم الانتهاء من تشييده سنة 1753، بحسب مقولة المؤرخين الذين عاصروا بنائه، وكلمة خان مشتقة من الفارسية وتعني المبيت “كرفاي سراي”، وكانت الغاية من بنائه في تلك الفترة هي وجود مكان لتبادل البضائع واستراحة التجار، بفضل موقع دمشق الاستراتيجي على طريق الحرير.

ازدهرت دمشق اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، في فترة حكم أسعد باشا الذي كان مستقلاً نوعاً ما عن الأوامر السلطانية في الأستانة، لذلك أصبحت على مستوى عالٍ من الفكر والثقافة.

بناء خان أسعد باشا

خان أسعد باشا مبني من الحجر في هيكل أقرب إلى الحصون والقلاع منه إلى الدور، وهو على هيئة ساحة مربعة على جوانبها غرف من طابقين، وكان في إحدى جوانبه إسطبلات للدواب، بينما يبيت المسافرون في الطوابق العلوية، لحمايتهم من قطاع الطرق، ومن كان منهم من خارج المدن لا يستوفى منه أجر المبيت.

يعتبر خان أسعد باشا أكبر خان في الشرق تبلغ مساحة الخان 2500 متر مربع، ويتميز بواجهة عريضة في وسطها بوابة ضخمة مزخرفة، يعلوها سقف مزخرف بقوسين بارزتين متشابكتين وفوقهما تجويف من المقرنصات تحيط به قوس مركبة من أحجار متشابكة مسننة بلونين أبيض وأسود متناوبين، وفوقهما نافذتان وعلى جانبي القوس من الأعلى نوافذ مستطيلة، ومن الأسفل فتحتان مزودتان بزخارف مميزة.

وفي واجهة البناء الجنوبية الغربية هناك 31 مخزناً، وبعد دهليز عريض يستوعب غرفتين للحراسة ومصعدي الدرجين ثمة باحة ذات فتحة سماوية دائرية توحي أنها كانت مغلقة بقبة، وفي وسط الباحة بركة مثمّنة، وجدران الباحة التي تشكل واجهات الغرف مبنية بالحجر الأسود والأبيض، وتحيط بالفتحة السماوية ثماني قباب تغطي الباحة عدا مركزها بمساحة 729 متر مربع.

يتألف هذا الخان من طابقين: الطابق السفلي يحوي واحداً وعشرين مخزناً أكثرها مزود بمستودعات، وفي القسم الشمالي الغربي مسجد صغير ينفتح إلى خارج الخان، ويتألف الطابق العلوي من أروقة مشرفة على الباحة، وخلفها خمس وأربعون غرفة، وجناح للحمامات، والغرف جميعها مغطاة بقباب صغيرة، وذات أبواب ونوافذ ما زالت تحتفظ بأصالتها مع أقفالها. وتختلف عن نموذج الطابق الأرضي بالإضافة إلى وجود غرفة “الخانجي” وهو مدير الخان، حيث إن غرفته كانت مطلة على السوق ليراقب حركة السوق والقوافل الداخلة إلى الخان.

أما إسطبل الخان فهو خارجي وموجود في نزلة سوق الوراقين في الطرف الثاني من مدحت باشا، والإسطبل حالياً غير موجود وهناك خانات في دمشق كان الإسطبل فيها ضمن الخان.

وفي الحقيقة، واجهة هذا الخان ومشهده الداخلي يثيران الإعجاب بروعة الزخرفة والتنسيق اللوني، مع دراسة رائعة للفضاء الداخلي.

على طرفي البوابة يوجد ثلاث أعمدة مزخرفة، وهذه الزخرفة من الفترة اليونانية السورية وترجع للفترة الهلنستية التي أسس فيها سلوقس نيكاتور الدولة السورية 312 قبل الميلاد، والزخرفة مجدولة، والتاج أيوني، ويوجد أيضاً على طرفي البوابة سبيلان ماء ومازالا يعملان حتى يومنا هذا، والمياه من نبع الفيجة وعلى السبيل دائرة تسمى معمارياً عين البقرة وتعود للفترة الإسلامية والحجر أبلق أي أبيض وأسود بالتناوب الذي اشتهرت به دمشق.

وعند العتبة الأولى يوجد قوسان دائريان هي التي تفضي إلى المدخل الثاني والقوس يعود إلى الفترة الرومانية.

 مركز للنشاطات

يعتبر الخان منذ افتتاحه عام 2005 معلماً ومركزاً للنشاطات الثقافية والفنية في سوريا، حيث عقدت فيه مؤتمرات على مستوى عالٍ جداً حضرها الكثير من المسؤولين مما أدى إلى نقلة نوعية للترويج لهذا المكان وأصبح اختيار الخان لعقد تلك المؤتمرات مناسبة للتعريف بحضارة سوريا وإرثها الثقافي والفني.

واستضاف الخان العديد من المؤتمرات الدولية حضرته شخصيات مرموقة بينها مؤتمرات عن النقد والخيول العربية الأصيلة وعروض أزياء، ومهرجان التراث والحرف اليدوية، ندوات حوارية وثقافية، ومعرض للأماكن الأثرية التي تعرضت للتخريب والهدم خلال الحرب أفاميا، ماري، إيبلا وتم توثيقها بمعرض فوتوغرافي أقامته المديرية العامة للآثار والمتاحف ما بين عام 2013 و2014، مهرجان الكتاب المتعلق بالتراث، ملتقيات ثقافية للفنانين التشكيليين مهرجان الخريف ومهرجان الربيع، فضلاً عن تصوير العديد من المسلسلات في الخان مثل الحلاج موسيقى الجنريك لمسلسل حرملك وغيرها.