دراساتصحيفة البعث

اليابان وتبني المعايير المزدوجة

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

أدّت سلسلة من البيانات والوثائق التي قدمتها اليابان مؤخراً إلى التركيز الشديد على سياسة البلاد بشأن الأسلحة النووية، وبالنظر إلى جهود اليابان للتقليل من شأن ماضيها العسكري، وإبراز حقيقة أنها الضحية الوحيدة للهجوم النووي -هيروشيما في 6 آب، وناغازاكي في 9 آب عام 1945- يجب على المجتمع الدولي أن يدقق في برنامجها النووي عن كثب.

في 9 آب كانت الذكرى الـ77 لقصف ناغازاكي، وقد كرّر رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا التزام اليابان بالمبادئ غير النووية الثلاثة المتمثلة في عدم حيازة الأسلحة النووية، وعدم إنتاجها، وعدم إدخالها، وهي القرارات التي تبناها البرلمان الياباني من خلال قرار في عام 1971، حيث وافقت اليابان على الامتثال لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

ومع ذلك، لم يكن هناك أي ذكر للالتزام بالمبادئ الثلاثة في الوثيقة التي قدمتها اليابان إلى المؤتمر الاستعراضي العاشر للأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والذي عقد في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك من 1-26 من آب الماضي، حيث عقد مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة. لقد شكك لي سونغ، سفير الصين لشؤون نزع السلاح، في موقف طوكيو في خطاب ألقاه في المؤتمر يوم 8 آب الماضي من سياسة الانتشار، وحذّر من أن أي محاولة لمشاركة الأسلحة النووية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستكون بمثابة انتشار نووي، الأمر الذي سيواجه اعتراضاً شديداً، وإذا لزم الأمر إجراء ردّ صارم من دول المنطقة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ وين بين: “إن اليابان تجلس بشكل مريح تحت المظلة النووية الأمريكية”، مشدداً على أن الصين تعارض تخلي الولايات المتحدة عن سياستها بشأن عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية.

لقد ظلّ السياسيون اليابانيون، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، يقولون منذ سنوات إن نشر الأسلحة النووية الأمريكية في اليابان لا ينبغي أن يكون موضوعاً محظوراً، لكن الكثير من اليابانيين يعارضون إبرام اليابان اتفاقية لتقاسم الأسلحة النووية مع أي دولة.

وقالت صحيفة “كيوتو شيمبون” اليابانية في افتتاحية يوم 6 آب الماضي إن أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم الذين يؤيدون المشاركة النووية يعانون من قصر النظر.

إن اليابان ليست عضواً في الناتو، كما أنها ليست دولة حائزة للأسلحة النووية، وإذا أبرمت صفقة تقاسم أسلحة نووية مع دولة أخرى، فإنها ستوجه ضربة كبيرة للاستقرار الاستراتيجي في شرق آسيا وما وراءها.

لقد كان قيام الولايات المتحدة بإلقاء قنابل ذرية على هيروشيما وناغازاكي في عام 1945 مأساة غير مسبوقة، لكن الولايات المتحدة فعلت ذلك لأن اليابان رفضت الاستسلام في الحرب العالمية الثانية. كما لم يعتذر القادة اليابانيون عن الماضي العسكري لبلادهم عندما قتل الجيش الإمبراطوري الياباني عشرات الملايين من الأشخاص، ونهب البلدان في جميع أنحاء شرق وجنوب شرق آسيا. وعلى هذا النحو تكشف اليابان عن معاييرها المزدوجة فقط عندما تدّعي أنها الضحية الوحيدة للهجمات النووية، بينما تقلل من أهمية الفظائع التي ارتكبها اليابانيون في دول آسيوية أخرى قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.

في السنوات الأخيرة قلّلت واشنطن أيضاً من أهمية السياق التاريخي للحرب العالمية الثانية المناهضة للفاشية عند الحديث عن اليابان، ولكن بدلاً من توضيح سبب إلقاء القنبلة الذرية على اليابان دعا البلدان القادة السياسيين والشباب وغيرهم لزيارة هيروشيما وناغازاكي لرفع مستوى الوعي والحفاظ عليه.

لابد من تسليط الضوء على ماضي اليابان في زمن الحرب، لأن تبني المعايير المزدوجة في قضايا مثل الأسلحة النووية هو في الواقع لعب بالنار، وقد غضت الولايات المتحدة الطرف عن الماضي المظلم لليابان من خلال الدعوة إلى تقاسم الأسلحة النووية، لأنها عازمة على التلاعب بالوضع لتحقيق هدفها في الهيمنة العسكرية.

لكن في عيون جيرانها فإن الطموح النووي لليابان هو إهانة للدول التي عانت من الفظائع على يدها قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، وبالنظر إلى الماضي العسكري لليابان فإنهم يعارضون بشدة الطموحات النووية للبلاد.